صلاح بن فهد الشلهوب

التوظيف والبطالة هما من أكثر المشكلات الاقتصادية تعقيدا في كثير من المجتمعات، حتى في الاقتصادات الكبرى، ولا شك أن التوظيف والبطالة لهما أهمية كبيرة لكل اقتصاد، باعتبارهما قضية ليست اقتصادية فقط، بل لها آثار اجتماعية وأمنية، ومن هنا كان الاهتمام بها كبيرا في "رؤية المملكة 2030"، وقد سبقت ذلك مجموعة من الإجراءات والخطوات التي بدأت ببرنامج توطين الوظائف "السعودة"، الذي أوجد فرصا جيدة لبعض الشباب في المملكة، وما زال العمل قائما حاليا لزيادة فرص الوظائف للشباب من المواطنين.

التقارير التي تصدر بشأن البطالة في المملكة تشير إلى معدلات الـ 12 في المائة على الرغم من أنها كانت أقل بقليل من هذه النسبة في السابق، ما أدى بالبعض إلى أن يستنتج أن هناك خللا قد يؤدي إلى عدم تحقيق النسبة المتوقع الوصول إليها، وفعلا التحديات كبيرة ليس فقط لتوفير وظائف للشباب، بل لتوفير بيئة عمل مناسبة وفق معايير عالمية تعزز من إنتاجية المواطن وتحقق له المعايير العالمية التي ينبغي أن يوفرها القطاع الخاص، ولا يعني هذا توفير بيئة مرفهة للموظف، بل إن توفر له أهم أسباب العيش بكرامة وفق المعايير التي تضمن له ألا يجور عليه رب العمل.

الزيادة في نسبة البطالة المحدودة لا تعني بالضرورة أن نتحول إلى حالة من الإحباط إلا في حالة واحدة، فيما لو زادت أعداد ونسب القوى العاملة الأجنبية في السوق، إذ إن التحولات التي تشهدها المملكة في سياسات تتطلع إلى الاستدامة يمكن أن تأخذ بعض الوقت. 

ولذلك من المهم في هذه المرحلة الإعداد للمتغيرات في التوجهات التي تشهدها المملكة حاليا في الجوانب الاقتصادية، من خلال التركيز على القطاعات التي يمكن أن توظف عددا أكبر من الشباب، بناء على المعطيات، وذلك من خلال تهيئة الشباب بالبدء والتركيز على مجموعة من الإجراءات، إضافة إلى توجيه الأنظمة والتشريعات لهذا الغرض، فعلى سبيل المثال لا الحصر قطاع السياحة في المملكة لم يكن الاهتمام به بحجم ما تملكه المملكة من مقدرات تجعل فيها جذبا لهذا القطاع، والتوجهات في "رؤية المملكة" إلى زيادة الاهتمام بقطاع السياحة الذي يعد أحد أهم روافد الاقتصاد لدى كثير من دول العالم، وهو ينشط جوانب كثيرة في السوق والاقتصاد، وقد يجتذب كثيرا من الاستثمارات للمملكة. 

ومن هنا تأتي أهمية تشجيع الشباب على المشاركة في هذا القطاع وتقديم صور وأشكال الفرص المتاحة فيه، إضافة إلى تقديم التدريب الكافي ليتمكنوا من التحول في اهتماماتهم وتخصصاتهم إلى قطاع السياحة باحتياجاته المختلفة، وبطبيعة الحال فإن زيادة الاهتمام بقطاعات جديدة مع تهيئة القوى العاملة الوطنية لإشغالها سيكون لها أثر في منع تغلغل القوى العاملة الأجنبية التي لا تحتاج إليها السوق في قطاع السياحة، إذ إن منافسة القوى العاملة الأجنبية فيه بما يمكنها من التفوق في الخبرة على القوى العاملة الوطنية سيؤدي حتما إلى الإشكالات التي نعانيها حاليا في قطاعات أخرى، بما يبطئ مسألة توطين الوظائف في هذا القطاع.

من القطاعات التي يمكن أن تستمر في إتاحة فرص جيدة للقوى العاملة الوطنية، التي يعد هامش تأثير التحولات فيها محدودا هو قطاع التجزئة، إذ إنه حتى في وجود تحولات قد تؤثر في سلع معينة فإن ذلك لا يؤدي بالضرورة إلى التأثير في سلع أخرى، بل قد تكون هناك فرص لمشاريع وأسواق جديدة في هذا القطاع، الذي تسيطر على جزء منه القوى العاملة الأجنبية، التي تشكلت لديها خبرة وتجربة وعلاقات مؤثرة في السوق، تصعب معها منافسة القوى الوطنية لها، وتأتي أهمية ما سبقت الإشارة إليه، وهو أن التحولات الجديدة في التوجيه الحكومي فيما يتعلق بالاقتصاد ينبغي أن تتزامن معها مجموعة من الإجراءات التي تمكن للقوى العاملة الوطنية، وتحد من تنامي مستوى البطالة، نتيجة لتأثر السوق، بسبب خطوات التحول الوطني.

فالخلاصة أن التحول الوطني باتجاه "رؤية المملكة 2030" سيكون له أثر في قطاعات اقتصادية مؤثرة في السوق في المملكة، ومن هنا تأتي أهمية العمل على تهيئة القوى العاملة الوطنية للاستفادة من هذا التحول، لتشغل فرصا أفضل للعمل وبما يخفض من مستوى البطالة، التي تهدف الإجراءات الحكومية إلى تخفيضها قدر الإمكان، لتصل إلى 7 في المائة أو أقل ـــ بإذن الله ـــ بحلول عام 2030.