أحمد الجميعة

الحروب التي تخوضها وزارة الداخلية ضد الإرهاب والجريمة والمخدرات وغسل الأموال؛ لم يمنعها أن تخوض حرباً جديدة ضد ظاهرة الاختراق الإلكتروني للأنظمة والشبكات والبيانات، والتهديدات التي فرضتها على الأمن الوطني، واقتصاديات الوطن، حيث تتحمّل الوزارة مسؤوليات كبيرة في تلك الحروب، وجبهاتها المفتوحة على أكثر من صعيد، وتواجه معها تحديات كبيرة، ومهمات استباقية، ولكن ثقتها أكبر في رجالها، وقبل ذلك مواطنيها في استيعاب تلك المخاطر، والإبلاغ عنها، والتصدي لها في مهمة شراكة وطنية مع رجال الأمن.

الأمير محمد بن نايف ينطلق من رؤية شمولية للأمن الوطني، ويرى أن الأمن لا يتجزأ، مهما كانت اختصاصاته، ومصادره، ومؤسساته، وعناصره، ومتغيراته، بما يرسخ مفهوم العمل المؤسسي، وتحديد المرجعيات التي تتحمل المسؤولية، والإجراءات التي تضمن مواجهة الخطر بسرعة، وكفاءة، وتقييم مستمر.

ولي العهد في افتتاح مركز الأمن الإلكتروني يؤكّد على مبادرة وزارة الداخلية في تحمّل عبء المسؤولية تجاه التهديدات الإلكترونية المحتملة، ويعده التزاماً أمنياً مثل ما هي التزاماتها الأمنية الأخرى، ويمنح المركز مرجعية تقنية، وصلاحيات واسعة لحماية الفضاء الإلكتروني للمملكة.

المركز الذي اكتملت منظومته البشرية والفنية بعد سنتين من العمل، يمارس مهامه بطريقة جماعية؛ فهو لا يمثّل درعاً ماسياً للمواجهة والتصدي، ولكنه يعد منسقاً أمنياً بمشاركة عدة جهات للحماية الاستباقية، من خلال سد الثغرات، وإرسال التحذيرات، وأيضاً معالجة الخلل وتقليل الضرر في حال الإصابة، حيث تعمل المنصة الوطنية للحماية على مدار الساعة، وتطوير القدرات التقنية، وبناء فريق وطني قادر على فهم شبكة الإنترنت ومخاطرها على الأنظمة الرقمية، بينما تعمل منصة أخرى لتبادل ومشاركة البيانات والتهديدات ومؤشرات الاختراق والتواقيع الالكترونية بين المركز والجهات الحكومية والحيوية.

لقد واجهت المملكة ولا تزال حرباً إلكترونية متعددة المخاطر، والمصادر، والأجندات، ولا يوجد دولة في العالم في حالة استثناء، أو عزلة من التهديد والإصابة بفايروسات الاختراق والتدمير، ولكن المملكة تبقى هدفاً للمتسللين للنيل من أنظمتها، وشلّ حركة اقتصادها، وكان آخرها هجمات فايروس (شمعون2) على منشآت حكومية وصناعية، وقبلها على شركة أرامكو، فضلاً عن محاولات مستميتة للنيل من مركز المعلومات الوطني الذي لا يزال عصياً صامداً في المواجهة؛ نتيجة المعايير والرقابة الصارمة في التشغيل.

مهمة المركز يفترض أن تبدأ من داخل الأجهزة الحكومية والحيوية في المملكة، من خلال تكثيف ورش العمل المعمول بها حالياً؛ للتنسيق حول إجراءات السلامة للتعامل مع الأنظمة وحمايتها من الاختراق، والأهم توطين العمل في إدارات التقنية داخل هذه القطاعات، والشركات المشغلة لها مهما كانت التكاليف، فلا فرق بين رجل الأمن الذي يضبط الجريمة، ورجل التقنية الذي يواجه خطر تدمير الأنظمة؛ فكلاهما يحفظان الأمن الوطني.