ابراهيم بيرم

شهدت القاعة العامة لبلدية بنت جبيل السبت الماضي أول تحرك من نوعه ينطوي على رسائل تحذيرية، اذ احتشد فيها مئات من ابناء المدينة وبلدات مجاورة تتقدمهم فاعليات بلدية واختيارية، وذلك استنكارا لما سُمي "ممارسات مشبوهة" لوحدات من قوة "اليونيفيل" و"تجاوزها للحدود والخصوصيات عبر دخول الاملاك الخاصة وانتهاكها احيانا للحرمات وتصوير مواطنين ومناطق داخلية".

ووفق معلومات توافرت لـ"النهار" ان الكلمات التي القيت في هذا التحرك والمواقف الحادة والتحذيرية التي اطلقت شددت على "ان هذه الممارسات تخالف جوهر مضامين القرار الاممي 1701 ومندرجاته"، وان "ابناء المدينة والمناطق الجنوبية الخاضعة لعمل القوة الدولية لن يرضوا بتكرار مثل هذه الممارسات وهم يدرجونها في خانة الاعمال الاستفزازية التي سيعملون بقوة على جبهها وعدم السكوت عنها". ومن البديهي لأي مراقب مطلع على الوضع والتوازنات في تلك المنطقة ان يعتبر ان ما حصل في بلدية المدينة هو بمثابة رسالة متصاعدة أُبلغت بشكل مباشر وغير مباشر لقيادة "اليونيفيل" والامم المتحدة من جهة والسلطة اللبنانية المعنية من جهة اخرى، فحواها ضرورة الكف عن المضي في مثل هذه الاعمال للحيلولة دون حصول اشكالات وتداعيات قد تتأتى على خلفيتها وتترتب على تكرارها.


ولا بد من الاشارة في هذا السياق الى ان هذا التحرك الحاشد جاء بعد ورود معلومات عن حوادث احتكاك وصدامات فوق المعتاد سجلت في الاسابيع الثلاثة الاخيرة بين اهالي بعض البلدات والقرى الجنوبية وبين دوريات من "اليونيفيل" كانت تحاول التقاط صور في مناطق معينة، او تلحّ على دخول مناطق تعلم سلفاً انه "ممنوع" على احد ولوجها حتى من اهالي المنطقة انفسهم.


وعلى رغم ان هذه الاحداث بقيت في نطاق محدود وظلت بعيدة عن الاضواء، الا ان اصداءها بلغت لاحقا الجهات المعنية في الامم المتحدة والقيادة الامنية اللبنانية، خصوصا ان جهات لبنانية في مقدمها "حزب الله" ابلغت من يعنيهم الامر سواء في بيروت او نيويورك أنها "تتحسس من ممارسات اليونيفيل بعدما تعدّت حدود المألوف وتخطت المعتاد".


معلوم انه منذ مجيء "اليونيفيل" الى مناطق جنوب الليطاني إنفاذا للقرار الدولي الرقم 1701، سجلت التقارير الامنية عشرات الاحتكاكات والمناوشات والمواجهات بين مجموعات من اهالي تلك المنطقة وبين دوريات من القوة الدولية اثر دخول هذه الدوريات الى مناطق معينة او التقاط صور او تركيب كاميرات مراقبة ورصد وتتبع فيها، وقد سقط من جراء هذه المواجهات جرحى من الطرفين وسجلت عمليات استنفار واجواء توتر واحتقان. الا ان "الامور طُبّعت لاحقا على نسق معين" مفاده ان المضي في هذا "النهج" والاستمرار في هذه السياسة من شأنهما ان يفضيا الى تطورات بالغة السلبية قد تنذر باعادة النظر بكل الاوضاع والتفاهمات المعلنة والمضمرة والتي تلت صدور القرار 1701. لكن "حزب الله" وبيئته الحاضنة استشعرا ان الامور عادت في الآونة الاخيرة لتأخذ منحى سلبيا بالنسبة اليه والى المجتمعات الجنوبية المحسوبة عليه وذلك بعدما عادت وحدات من القوة الدولية سيرة يرفضونها. وكان الرد الاعتراضي رسائل متدرجة ومتدحرجة بدأت باحتكاكات محدودة في حينه ثم تصاعدت في اتجاه تنظيم الاحتجاج الحاشد في بنت جبيل والذي هو عبارة عن تجربة اولى من نوعها، وترافق ذلك بطبيعة الحال مع رسائل شفهية لمن يعنيهم الامر فحواها "اننا نستعد لما هو اكثر وانه ما زال في جعبتنا الكثير من الخيارات ما لم يرتدع المعنيون وتعود الامور الى مربعها الاول وسيرتها المألوفة".


وكان من البديهي ان يرتفع التحسس ومنسوب الخشية لدى الحزب وبيئته الحاضنة في اعقاب تصاعد الحملة الاعلامية في الاشهر القليلة الماضية عن مناخات حرب آتية عاجلاً على الجنوب بين الحزب واسرائيل، وتزامنت مع تهديدات وكلام اسرائيلي وتحليلات يساعد الاعلام الاسرائيلي على ترويجها على اوسع نطاق عبر الزعم انها معركة الفصل بين الطرفين والتي ستثأر لما حصل في تموز 2006.


وفي الاجمال لم يعد خافيا ان تحسس الحزب وخشيته المتصاعدة يتأتيان اساسا من وحدات دولية بعينها ولا سيما تلك المنتشرة في المناطق الحدودية.


ولا بد من الاشارة اخيرا الى ان الحزب "فرز" منذ زمن مجموعات مهمتها الاساسية القيام بعمليات رصد دائم لخط سير الوحدات الدولية. ولهذه المجموعات صلات مباشرة وتنسيقية يومية بالجهات الامنية اللبنانية الرسمية. ولا يكتم الحزب انه يقيم ضمناً على قناعة فحواها ان الجهات المعنية في "اليونيفيل" ليست في وارد اخذ الامور نحو التصادم الاوسع، فمن عادتها في مثل هذه الحالات ان تعيد النظر بالخيارات وتقيس الامور بميزان دقيق. اما اذا ثبت العكس فان الامور مرهونة بأوقاتها.