بكر عويضة

يمر حزب «العمال» البريطاني بأزمة سببها زعامة جيرمي كوربن. المعارضون للرجل يقولون إن الحزب يواجه خيار تجديد القيادة أو الاندثار إلى منافي العمل السياسي. يرد الموالون للسيد كوربن بالقول إن استمرار الطعن في جدوى زعامته هو أساس الأزمة.

بصرف النظر عن أي الفريقين يقف في موقع الخطأ أو الصواب، فقد نشأ عن ضعف وحدة الحزب تشكك الناخب بقدرة «العمال» على تأدية عمل معارضة يمكن الوثوق بها كبديل متمكن لحزب «المحافظين». الواقع، كما يعرف كل متابع للشأن البريطاني، أن الاعتراض على زعامة كوربن بدأت قبل فوزه بقيادة الحزب (12/ 9/ 2015) وتجذّرت بشكل أكثر حدة عندما تكتل ضده 172 نائباً من مجموع نواب «العمال» في مجلس العموم (220 عضواً) واتخذوا قرار حجب ثقتهم بزعامته (28/ 6/ 2016)، لكنه واصل الإصرار على تحدي معارضيه، فطالب بانتخابات داخل الحزب، أعلنت نتيجتها في الرابع والعشرين من سبتمبر (أيلول) الماضي، واستطاع من خلالها دحر منافسه أوين سميث، بحصوله على (61.8) في المائة من الأصوات. إذ ذاك خف وقع الأزمة قليلاً، لكنها لم تختفِ تماماً. رجع الدوي أقوى هديراً مع إخفاق «العمال» في انتخابات نيابية فرعية جرت الخميس الماضي، وتمكن «المحافظون» عبرها من انتزاع مقعد دائرة كوبلاند بمجلس العموم، بعدما بقي عمالياً طوال الثمانين عاماً الماضية. طبيعي أن وقع الهزيمة أتى صاعقاً داخل الحزب ذاته، ومُدوياً في أوساط النخب السياسية، ومثيراً للتساؤلات في الأوساط الإعلامية كافة.
هل غيّر ذلك الحدث غير العادي من إصرار الزعيم على التشبث بالزعامة؟ كلا، ليس بمقدار ذرّة. يلفت النظر في هذا السياق أن جيرمي كوربن، الذي هو في سن السابعة والستين، يصر من جانبه على أن برنامجه يهدف إلى تجديد شباب حزبه، وتحقيق هدف إعادته للحكم. هذا قول له كامل الحق في ترديده. ذلك أن الأزمة ليست تنحصر في الجانب المتعلق بعمر سياسي صاحب تجربة ثرية، مثل كوربن، وخصوصاً في بلد صار أغلب أهله يعمّرون إلى ما يقارب التسعين عاماً. إنما المشكل هو في تجديد الأفكار. وما يقلق خصوم كوربن، في صفوف النُخب العمالية، وخارجها، أن الرجل يبدو متمسكاً بأفكار منتصف القرن الماضي. بيد أن مشكل التجديد ليس محصوراً في حزب «العمال» وحده هنا، بل هو محل اعتبار غيره من الأحزاب، إضافة إلى كونه موضع نقاش مستمر في مختلف القطاعات، إذ إن التعايش مع عالم متغيّر بإيقاع يخطف الأبصار، يتطلب الجواب عن سؤال دائم: ما الجديد عندنا كي نواكب تطور غيرنا المتواصل؟
إلى أي مدى يُثار السؤال ذاته بين نُخب المفكرين العرب؟ وهل أنه يثير ما يوجب من اهتمام في العالمين العربي والإسلامي؟ لست أدري على وجه التحديد. إنما الواقع يقول إن مفاهيم عدة سادت منذ قرون، فاستحكمت حتى صارت بحكم القانون، بلا أي تشريع يبررها أو يسندها، لم تزل تفرض سطوتها في غير مجتمع على نحو يعيق أي تقدم إلى الأمام، بل يشجع على كل رجوع إلى الخلف.
ذلك أن تيارات الفكر المؤثرة في مسيرة المجتمعات إذا لم تُجدد شبابها، تصاب بجمود ينتهي بها إلى اندثار. الشيء نفسه يقال بشأن الفرد، فالمجتمع، كما يتعلم تلاميذ المدارس، هو مجموع الأفراد. لكن الفرق شاسع بين تعلم مبدأ سليم في المدرسة ثم ممارسة نقيضه في الواقع. هناك أفراد يتشبثون بأفكار ليست فقط تعيق انطلاقهم، بل هي مُعوّق لانطلاق مجتمعهم بأكمله، سواء أرادوا ذلك بقصد، أو أنهم يجهلون.
مساء خميس انتخابات دائرة كوبلاند، تابعت الحلقة رقم 1327 من برنامج «وقت السؤال» على شاشة «بي بي سي1». هو عرض انطلق سنة 1979 وكان أول مقدميه الإذاعي العريق سير روبن داي، ثم ورثه بيتر سيسون (1989 - 93) قبل أن ينتهي إلى ديفيد ديمبلبي، نجل ريتشارد وشقيق جوناثان، وكلاهما إذاعي لامع. خلال ساعة كل أسبوع يواجه خمسة معروفين في مجالاتهم أسئلة ساخنة يوجهها جمهور متباين الأعمار والاهتمامات، بشأن آخر التطورات في المجالات كافة. وخلال كل متابعة لحلقة جديدة، أجدني أتساءل بما مضمونه: عندما يحين وقت سؤال كثيرين في العالمين العربي والإسلامي عما تسببوا به في إعاقة تقدم العرب والمسلمين، تُرى بماذا سوف يجيبون، إذا توفر لديهم الجواب؟. . .