نعمت أبو الصوف

استقرار الأسعار عند مستويات أعلى، هو ما صممت تخفيضات الإنتاج لتحقيقه. ولكن لتحقيق ذلك "أوبك" في حاجة إلى استنزاف وفرة النفط الخام التي تراكمت في الخزانات على مدى السنوات القليلة الماضية. في هذا الصدد، يعتقد بعض المحللين أن الأسواق ستكون متوازنة بحلول منتصف هذا العام، في حين أن البعض الآخر ليس على يقين من ذلك. الآن يبدو من المؤكد أن توازن الأسواق سيستغرق وقتا أطول من نصف عام للتخلص من تخمة المخزون. إذا كان الأمر كذلك..

من المحتمل أن تحتاج المنظمة لتمديد الاتفاق في اجتماعها القادم في أيار (مايو) إلى بقية عام 2017. "أوبك" تعلم أن التخلص من تخمة المخزون سيستغرق وقتا أطول من ستة أشهر، وأن سنة واحدة هي الوقت اللازم لإعادة التوازن إلى الأسواق. وعلاوة على ذلك، خفض المخزون سيدفع منحنى الأسعار إلى حالة التراجع Backwardation، أي أن أسعار الشهر الفوري أعلى من أسعار الأشهر اللاحقة، وإن لم يكن حتى وقت متأخر من هذا العام نظرا لحجم الفائض، الذي من شأنه أن يردع المنتجين، ولا سيما في الولايات المتحدة، من التحوط hedging، وهذا في مصلحة "أوبك". إن وتيرة أي تعادل تعتمد على ما إذا التزم المنتجون بالتخفيضات المتفق عليها، إضافة إلى مستوى الطلب على النفط خلال الأشهر المقبلة. وليس من السهل التنبؤ بذلك. لكن وكالة الطاقة الدولية قالت إن مخزونات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حاليا في حدود 3.033 مليار برميل، أي 311 مليون برميل فوق متوسط مستويات السنوات الخمس، وبالتالي اتفاق "أوبك" يؤتي ثماره ولكن ليس بالسرعة المطلوبة. ينص اتفاق "أوبك" على قيام الدول الأعضاء بخفض إنتاجها بمقدار 1.16 مليون برميل في اليوم خلال النصف الأول من عام 2017، ليصل الإنتاج الكلي للمنظمة إلى 32.5 مليون برميل في اليوم. وتعهد المنتجون من خارج "أوبك"، بما في ذلك روسيا، المكسيك وأذربيجان، بخفض الإنتاج بمقدار 0.558 مليون برميل في اليوم، ليصل مجموع التخفيضات إلى نحو 1.8 مليون برميل في اليوم. وبصرف النظر عن مستوى الالتزام بتنفيذ الاتفاق، ستركز أسواق النفط على ليبيا ونيجيريا، المعفاتين من التخفيضات، ولكنهما قادرتان على إضافة مزيد من الإنتاج في الأشهر المقبلة. تجدر الإشارة هنا أيضا إلى أن الصفقة جاءت لخفض الإنتاج وليس الصادرات. بعض البلدان، مثل روسيا، قد تبقي إمداداتها إلى الأسواق قوية، حتى لو قامت بخفض إنتاجها الفعلي. في كانون الأول (ديسمبر)، قالت وكالة الطاقة الدولية إنه إذا التزمت "أوبك" على وجه السرعة وبشكل كامل بالتخفيضات، ونفذ المنتجون من خارج المنظمة تعهداتهم، فإن الأسواق ستتحرك إلى عجز في النصف الأول من عام 2017. ثم عادت في كانون الثاني (يناير) وقالت إذا امتثلت "أوبك" للاتفاق، فهذا يعني أن معدل استنزاف المخزون سيكون في حدود 0.7 مليون برميل في اليوم. ولكن أحد الأمور الشائكة هو تحديد الحجم الفعلي لفائض المخزون. على الرغم من التوقعات الجيدة، لا يمكن لأحد أن يجزم بمعرفة الرقم الحقيقي. في الوقت الذي نجد فيه البيانات عن تخزين النفط في الولايات المتحدة، اليابان وأوروبا شفافة إلى حد ما، فإن التكهن بكميات المخزون في مناطق أخرى من العالم يمكن أن يكون أكثر صعوبة. كما أن فصل مخزونات النفط الخام عن المنتجات أيضا صعب. يتوقع بعض المحللين أن يستمر فائض المخزون حتى نهاية العام. هذه التوقعات تفترض أن الاتفاق سيدوم لمدة ستة أشهر فقط، وأن دول "أوبك" ستخفض مليون برميل في اليوم فقط، أي الامتثال بنحو 80 في المائة، في حين أن روسيا تخفض 200 ألف برميل في اليوم، أو ثلثي تعهدها. وهذا من شأنه سحب نحو 100 مليون برميل من مخزونات النفط بحلول نهاية عام 2017. هذا التخفيض قد يكون كافيا لدعم أسعار النفط عند 60 دولارا للبرميل. في حين أن 100 في المائة امتثالا من شأنه سحب الفائض في النصف الثاني من العام، ويدفع الأسعار إلى 70 دولارا للبرميل ــــ عندها إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة سيعاود النمو بقوة. إن امتثالا بنحو 80 في المائة ممكن، حسب بعض المراقبين، حيث إن دول مجلس التعاون الخليجي الأعضاء في "أوبك"، يمكن الاعتماد عليها لتحقيق تعهداتها التي هي في حدود 0.8 مليون برميل في اليوم. في حين من غير المؤكد أن يحقق العراق جميع التزاماته. في هذا الصدد يعزو البعض ذلك إلى أن الحكومة في بغداد لا تسيطر بالكامل على صادرات إقليم كردستان. هذا إضافة إلى النمو المحتمل من نيجيريا وليبيا، مثل هذا التراخي يؤخر إنهاء التخمة. من ناحية أخرى، لمحت السعودية إلى أنها قد تخفض أكثر من 486 ألف برميل في اليوم المتفق عليها. وادعت أنجولا أنها بالفعل امتثلت بالكامل بخفض إنتاجها بنحو 78 ألف برميل في اليوم ــــ ولكن لديها أيضا خطط لزيادة الطاقات الإنتاجية. فنزويلا التي ضربتها الأزمات قد تضطر إلى التخفيض لا إراديا أكثر بكثير من حصتها المتفق عليها. توقعات أسواق النفط الخاصة بـ "أوبك" ترى خفضا سريعا للفائض. حيث تقول إن الإنتاج من خارج "أوبك" قد انخفض بنحو 0.71 مليون برميل في اليوم في عام 2016 إلى 57.14 مليون برميل في اليوم، وتتوقع نموا طفيفا بنحو 120 ألف برميل في اليوم في هذا العام. وهذا رقم مهم، لأنه على العكس من منتجي "أوبك" الذين يحاولون جاهدين التقيد بالاتفاق. المنتجون من خارج المنظمة ـــ خاصة صغار منتجي النفط الصخري ــــ تحت ضغط من المصارف والمقرضين الآخرين للحفاظ على التدفقات النقدية ودفع الإنتاج إلى أعلى قدر المستطاع. لقد تمكن كثير من هؤلاء المنتجين من التحوط للأسعار، وذلك بفضل ارتفاع الأسعار في أعقاب اتفاق "أوبك". لذلك من الممكن أن تكون المنظمة قد قللت حجم الإمدادات التي سيضيفونها في الأشهر المقبلة. هذه هي معضلة المنظمة الرئيسة. إنها تريد أسعارا مرتفعة نسبيا وفي الوقت نفسه خفض المخزونات العالمية. ولكن، في بذل قصارى جهدها لتحقيق ذلك، تخاطر المنظمة في دفع الأسعار إلى مستويات تنعش المنتجين الآخرين، وتضعف نمو الطلب، وربما يغري بعض أعضائها لضخ أكثر من المتفق عليه.