سلمان الدوسري 

 أهم ثوابت السياسة الخارجية السعودية في العقد الأخير، تعزيز شراكاتها وتنويع وتوسيع خيارات تحركاتها السياسية على الساحة الدولية، وبالتأكيد فإن التوجه السعودي نحو الشرق الآسيوي لا يعد خطوة سياسية دبلوماسية فحسب، بل أيضاً حاجة اقتصادية تتوافق مع عملية الإصلاح الاقتصادي الكبرى التي تعيشها المملكة، فالقارة الآسيوية تشهد حالة من النمو والازدهار بعدما تحولت إلى قطب عالمي رئيسي وأساسي مؤثر على المستوى الدولي سياسيا واقتصاديا، وعلى هذا الأساس تعكس الزيارة الآسيوية التي يقوم بها العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، توجه السياسة الخارجية السعودية القائمة على التوازن في علاقاتها الدولية، مع الحفاظ على تحالفاتها الدولية القائمة، وفي نفس الوقت استراتيجية تتسق مع رؤية المملكة 2030 في السعي نحو تحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام.


فكرة الاتجاه شرقاً ليست بجديدة على دول الشرق الأوسط، إلا أن تنفيذ هذه الفكرة وتحويلها لشراكة دائمة يتعرض باستمرار لمصاعب جمة لعل أهمها أن التحالف القوي مع القوى الغربية دائماً ما يقلل من الاهتمام بتطوير العلاقات مع اللاعبين الكبار في الشرق الآسيوي، غير أن التحول الكبير الذي يشهده النظام العالمي أثبت أن سياسة الاكتفاء بتحالفات قائمة وإن كانت استراتيجية وتاريخية لا تغني إطلاقاً عن البحث عن تبادل المصالح مع اللاعبين الآسيويين القادمين بكل قوة، هذه السياسة تنطلق من ثلاث حقائق مهمة؛ الأولى الأهمية المتصاعدة للدول الآسيوية التي لم تعد مؤثرة ومهيمنة اقتصاديا فحسب، بل أيضاً لاعباً سياسيا في الملعب الدولي مع إضافة تأثيرها في الأمن القومي العالمي، والثانية التفاعل مع الدول المؤثرة والمستقرة سياسيا واقتصاديا ينعكس بشكل مثمر على الشركاء، فدول الشرق آسيوي ما يميزها لا يميز شركاء آخرين كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، باعتبار أن دولاً كبيرة مثل الصين واليابان تعيش في محيط سياسي مستقر وتسير في دائرة السياسة الدولية من غير مناكفات ولا صراعات، أما الحقيقة الثالثة فتتعلق بارتباط الموقع الاستراتيجي المهم لدولة مثل السعودية للدول الآسيوية، لكنها لم تستفد منه سابقاً بالشكل الذي يرسخ أهميتها الجيوسياسية.
يمثل طريق الحرير الجديد، الذي تؤسس له السعودية في علاقاتها الآسيوية، رؤية مغرية للمستقبل، وهو بلا شك سيكون طريقاً وعراً ومعقداً في بداياته، غير أن تلاقي المصالح السعودية الآسيوية سيزيل هذه العقبات ويمهد لشراكة مستقبلية قائمة على فتح آفاق واعدة. وإذا كانت العلاقة بين السعودية وآسيا علاقة قديمة ومتجذرة، فإن الارتباطات الحديثة تستمد طاقتها وحيويتها من النظام العالمي متعدد الأقطاب، في ظل انخراط المزيد من اللاعبين المؤثرين على الساحة الدولية في تشكيل التوجهات العالمية، وإذا ما نظرنا إلى التحولات الشاملة في العلاقات الدولية في شكلها الحالي وتحول مركز الثقل الاقتصادي العالمي في العقد الأخير من الغرب إلى الشرق، فمن الأهمية بمكان أن تسعى السعودية إلى نسج علاقات استراتيجية مع القوى الاقتصادية الصاعدة في آسيا، يقول تقرير التوازن العسكري لعام 2012 الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن: إنه للمرة الأولى في التاريخ الحديث والمعاصر تتفوق الميزانيات العسكرية لدول القارة الآسيوية على نظيرتها الأوروبية.
يمكن القول إن سياسة القطب الواحد في أعقاب تفكك الاتحاد السوفياتي والغزو العراقي للكويت 1990 ساهمت وبشكل كبير في عزل الشرق الأوسط عن بقية دول آسيا، لأسباب استراتيجية اقتضت تعزيز التحالف مع الولايات المتحدة ودول أوروبا في تلك المرحلة، وأعاقت تلك الحقبة ظهور سياسة مستقلة من دول الشرق الأوسط بصفة عامة، إلا أن السعودية ودول الخليج الأخرى أول من استشعر التحول العالمي للقوة إلى آسيا وقامت بتحولات ملموسة في موازاة التحالفات الاستراتيجية القديمة، وعلى هذا الأساس ستكون جولة الملك سلمان الآسيوية خطوة استراتيجية لتأكيد التحولات التي يشهدها العالم، فالصين واليابان حاضرتان بقوة وإندونيسيا وماليزيا في الطريق، ولا أحد يستطيع الجزم ما إذا كانت القوى التي تقود العالم حالياً ستظل في الصدارة كما كانت.. .