صلاح الجودر 

في الوقت الذي يتجاوز فيه الكثيرون عن خطاب أو حديث السيد عبدالله الغريفي سواء في المساجد أو المجالس أو عبر وسائل الإعلام أجدني متابع جيدًا لما يطرحه من قضايا، وللأمانة ليس كل ما يطرحه السيد الغريفي صحيحًا أو سيئًا، فهو في النهاية بشر يصيب ويخطئ، ولكن المؤسف أنه وهو في هذه المنزلة أن يسقط السقطات الكبيرة في قراءة الساحة المحلية وتحليل المواقف السياسية، ووضع العلاجات والحلول.


تحت شعار (الدور الأساس في إصلاح أوضاع الأوطان هو دور الأنظمة الحاكمة، وخاصة في تهيئة المناخات السياسية) تناول السيد الغريفي في مسجد الصادق بالقفول الأوضاع المحلية من زوايا مختلفة، فتناول الشأن الديني والثقافي والاجتماعي ليربطها في نهاية المطاف بالشأن السياسي، كل ذلك من أجل تبرير كل الأخطاء التي ارتكبتها المعارضة وقوى التطرف منذ فبراير عام 2011م وحتى يومنا هذا، وتحميل الحكومة والنظام السياسي مسؤولية تلك الأعمال رغم أن الجميع يشهد بأنها بسبب التدخل الإيراني السافر في الشأن الداخلي!!
المؤسف أن خطاب السيد الغريفي الأخير لم يكن بعيدًا عن أسلوب الجماعات المطرفة التي تضع الشروط أمام أي محاولة للحوار والمكاشفة، فبدل أن يدعو للحوار المباشر يضع شروطًا، وهو أسلوب جماعات الدوار التي وضعت الشروط التعجيزية أمام مبادرات الحوار، وهو الأمر الذي دفع إلى المزيد من التأزيم والاحتقان، فحوارات التوافق الوطني الأول والثاني والثالث كان من أسباب عرقلتها الشروط التي وضعتها جمعيات التأزيم وتوابعها، لذا وجدت الجماعات العنفية والإرهابية المبرر الرئيس للاستمرار في أعمالها.
لقد جاء خطاب السيد الغريفي مليئًا بالشروط حين قال بأن (الدور الأساسي في إصلاح أوضاع الأوطان هو دور الأنظمة الحاكمة)، ثم وضع مجموعة من الشروط ومنها: (التأسيس لإنتاج الثقة بين الأنظمة والشعوب، إنهاء كل المؤزمات، اعتماد خيارات الحوار بدلاً من الخيارات الأمنية القاسية، إيقاف خطابات التأزيم الرسمية والشعبية، عدم غياب أو تغييب الرموز السياسية الراشدة - ولا نعلم معيار الرشد لديه -، وجود خطابات رسمية قادرة على طمأنة الشعوب)، وهو نفس أسلوب جمعيات التأزيم حين تم دعوتها للحوار والمكاشفة والمصارحة، وهو أسلوب عقيم لا يؤدي إلى مرحلة جديدة.
المسؤولية اليوم تحتم على السيد الغريفي أن يكون أكثر صراحة ووضوحًا من تلك الأعمال الإرهابية من تفجيرات واستخدام الإسلحة والاعتداء على رجال حفظ الأمن والشرطة والمواطنين، والمسؤولية الكبرى أن يعلن رفضه لتلك الأعمال العنفية والإرهابية التي تمارس في الشارع، وأن يسمي الجماعات الإرهابية بأسمائها، وأن يكون أكثر وضوحًا في الحوار والتواصل مع الفعاليات المجتمعية المختلفة، فإن أكبر الأخطاء كانت بسبب الأنا وحب الذات!!
الخشية أن يكون خطاب السيد الغريفي خطابًا تبريريًا لتلك الجماعات الإرهابية والعنفية، فالخطاب التبريري قائم على الفرضيات الذهنية والجدل المنطقي والعبارات الرنانة والمعسولة، فيحمل الآخرين المسؤولية ليبرأ ساحته، وهذا الأسلوب أصبح مكشوفًا للجميع، فقد تهافت السيد الغريفي في خطابه الأخير حين تحدث عن الشأن السياسي الذي يعتبره أكثر تعقيدًا وصعوبة وخطورة، والتي ذكر بأن المعالجة يجب أن تكون من خلال (درجات عالية من الرشد السياسي)، وهو شعار يؤكد على محاولة الهروب إلى الإمام، أو الخروج من دائرة المسؤولية، فالجميع يتساءل عن غياب الرشد من القوى المتطرفة والإرهابية التي تحاكي مثيلاتها في العراق وسوريا واليمن ولبنان، فكل تلك الجماعات تحتاج إلى خطابات الترشيد التي يتحدث عنه السيد الغريفي - دون أن يشير إليها بأصبعه - فالجميع يرى تلك الجماعات وهي تمارس العنف في الشارع، وفي وضح النهار!!
القراءة الأخيرة للسيد الغريفي لم تكن بالشكل الصحيح، فقد حاول الهروب من مواجهة الحقيقة المؤلمة التي من أبرز أسبابها شعار (يسقط النظام)، والحديث بصراحة عن أخطاء تلك الجماعات الإرهابية والعنفية، فإن كان على مستوى تلك المسؤولية فإن عليه توجيه خطابه لتلك الجماعات، وبصوت عالٍ: أن أعمالكم يبغضها الله ورسوله والمؤمنون، وإن مصيركم إلى النار وبئس المصير!!