بكر عويضة

مرة أخرى، يوم عالمي آخر للمرأة. كما كل سنة، يتكرر كلامٌ قيل من قبل، تردد بغير بلد، خُطب أمام مائة منصة أو أكثر، كُتب بكراسات الإنشاء في المدارس، تحدث به نجباء بالمجالس، جاد به حبر أقلام على صفحات صحف ومجلات، تصدّر الصفحات الأولى لمواقع الإنترنت، هو الكلام ذاته، تقريبًا، ثم ماذا؟ في الأغلب الأعم: لا شيء.


بالطبع، كل هذا الاهتمام بالمرأة مهم ومطلوب. لكن، ألم يحِن وقت إقرار أغلب الرجال أن الظلم الواقع على النساء هو في أغلبه فعل مستمر في الحاضر من جانب معظمهم، لأنه يحمل شبهة حنين لظلمات الماضي مختبئة تحت مسام الجلد؟ ثم إن الظلم سوف يستمر، لأن الإصرار أن يتواصل في المستقبل يستوطن جينات ذكورية لم تزل تفرّخ من العقول ما يصّر، بجهل، على أن تكوين المرأة الهرموني، وتميّز سلوكها الطبيعي بالخجل، إضافة إلى دورها الأساسي في حفظ النوع البشري، يجيز للرجل أن يتقدم عليها، بل لا يتورّع البعض عن تجاوز فرصتها في العمل، أو استحقاقها الترقية، وأحياناً ارتكاب خطيئة حرمانها من ميراث هو حقها الشرعي.
يجب المسارعة للتذكير بحقيقة أن ظلم المرأة من جانب الرجل، ليس حكراً على أعراق أو ثقافات، زمان أو مكان. كلا، هو قديم كما قِدم نشوء المجتمعات، لكن الفارق قائم بين أقوام تسعى لأن تغيّر واقعها كله، وليس فحسب التعامل مع المرأة، نحو الأفضل، وبين شعوب تعرقلُ تقدمها، سواء بشأن المرأة أو غيرها، قوى غير راغبة في الإقرار أن الزمن يمضي، والكوكب يتغير، فلا حال الطقس ثابت، ولا البشر كائن جامد.
قبل مسارعة أحد للقفز المسبق، واستنتاج أن القصد هو تكرار الإعجاب بنموذج الغرب، على حساب القبول بتميّز هوية الشرق، خصوصاً فيما يتعلق بالمرأة، أسارع للقول إن هذا الأمر غير وارد بإطلاق. كلا، لستُ من محبذي الانبهار بكل مختلفٍ عن تراث الشرق وثقافاته. ثم إن الاختلاف هنا ليس آتياً من دول العالم الصناعي الغربية فقط، بل هناك المختلف الآتي أيضاً من عالم الشرق الأقصى المتقدم صناعياً كذلك، كما اليابان والصين، ثم من دول خارج الفلك الغربي، مثل روسيا، كل هذه المجتمعات تمد البشرية بنماذج تطور عدة، يختلف بعضها عن بعض، لكنها تلتقي في أنها تناهض التشبث بالتخلّف، وتعمل لتحقيق غدٍ أفضل.
توجب الموضوعية أيضاً أن يُسجل لتلك المجتمعات حقيقة الاعتراف بوجود الخلل. في دول الغرب، مثلاً، يقرّون بتزايد حالات الاغتصاب. يلفت نظر المختصين في هذا السياق أمران، أولهما وجود ما يقترب من الإجماع على أن ثورة الحريات الجنسية في ستينات القرن الماضي أسهمت، بشكل أو آخر، في انتشار إباحية أساءت لمجموع النساء، خصوصاً الرافضات للتعامل مع المرأة من منظور الجنس فقط. الأمر الثاني، وهو الأحدث، يخص تأثير ثورة الاتصالات، وتحديداً مواقع الإنترنت، على شيوع مزيد من الانحرافات فيما يخص التعامل مع المرأة، إن لجهة التغرير بالقاصرات، واقتيادهن إلى مآسي ما يواجهن، أو من حيث الاتجار بهن، وانبعاث تجارة الرقيق الأبيض على نحو غير مسبوق.
أوجه ظلم الرجل للمرأة، غرباً وشرقاً وفي كل الاتجاهات، كثيرة وتكاد تكون عابرة لكل القارات. حتى في مجتمعات الغرب الصناعي، حيث حققت المرأة الكثير على المستويات كافة، لا تزال الشكوى قائمة إزاء استمرار الهوة في المرتبات، وغياب المساواة مع الرجال بشأن المناصب الأولى في المؤسسات. في المقابل، ظلم الرجل للمرأة لا يلغي حقيقة قديمة أيضاً قدم الزمان، وخلاصتها أن ثمة نساء قادرات على الكيد لرجال ولنساء لأجل أرضاء حاجة، أو حاجات، في أنفسهن، لكن يبقى أنهن أقلية. إثبات ذلك بسيط، وخلاصته هي التذكير بحقيقة أن الخالق وضع في المرأة طبع الحنان، وميزها برقيق العاطفة.
في هذا السياق، وجدتني أعجب دائماً من زاعمات يشترطن للتقدم في مسيرة المرأة إخفاء رقة أنوثتها، والتجرد من جمالها، بزعم أنْ اخشوشنَّ معاشر النساء، حتى تتجنبن أطماع الرجال. كلا، الحق أن أول المطلوب من الرجل كي يكف عن ظلم المرأة بالطمع في طاعة عمياء له، هو أن يحبها لذاتها، بلا قيد أو شرط. ذلك أمر سهل لكل إنسان رضع حليب الفطرة، لكنه - في الأغلب - ممتنع عن كل أناني يقدم ذاته على أي ذات عداها..