محمد الوعيل

لم تكن الحفاوة غير المسبوقة التي استقبل بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في جولته الآسيوية، إلا تتويجاً لسياسة رزينة ورصينة تقوم على المحبة والتسامح مع كل الأشقاء والأصدقاء في شتى البقاع، وعبرت تلك الحفاوة عن قيمة المملكة عالمياً، وقامة خادم الحرمين شخصياً وما يتمتع به من رصيد زاخر في نفوس الجميع.

ولعل الحدث الأبرز في مضامين هذه الجولة التاريخية، عدا البروتوكولات واتفاقات التعاون المشتركة، كان الإعلان في بيان رسمي مشترك مع الحكومة الماليزية عن إنشاء مركز عالمي للسلام يكون مقره ماليزيا باسم "مركز الملك سلمان للسلام العالمي".. كواحد من المبادرات الإنسانية والداعمة للسلام بالدرجة الأولى دون تمييز عرقي أو ديني، سعياً وراء خير البشرية جمعاء، وتدعيماً للقيم النبيلة المشتركة بين جميع الشعوب.

دلالة إنشاء مركز الملك سلمان للسلام العالمي، تأتي تأكيداً للسياسة السعودية الثابتة والمستمرة، لتعزيز أطر المحبة والإخاء ونشر قيم التسامح والسلم الاجتماعي في الكرة الأرضية، والأهم أنها تأتي في توقيت يموج فيه العالم باضطرابات فكرية وقلاقل تنظيمية تشوه من صورتنا كمسلمين، وتسيء إلينا على أيدي قلة ضالة تعمد لنشر الفتنة وزعزعة الاستقرار في شتى الدول.

المركز الذي يمكن النظر إليه باعتباره منارة خير سعودية جديدة، سيتم دعمه عبر مبادرة أخرى لا تقل أهمية للمملكة، وهي مركز الحرب الفكرية بوزارة الدفاع السعودية، ورابطة العالم الإسلامي، حيث سيدعمان بالتعاون مع الجهات المعنية في الحكومة الماليزية انطلاق ذلك في غضون 90 يوماً من تاريخ الإعلان.

وهنا يمكن النظر للمركز كواجهة تصدٍ متينة، تتضافر فيها كل الجهود لمواجهة كل مظاهر العنف والفكر المتطرف، وتأكيداً على سماحة الإسلام، وإنصاف صورته الناصعة ضد ما يتعرض له من تشويه من الجماعات الإرهابية ومنظريها والمتورطين في بؤرتها المشينة، وتعزيزاً لأطر ونظريات وممارسات حقوق الإنسان وكذا حقوق كل مخلوقات الله التي انطلقت قبل 1400 عام من البيت الحرام، في البلد الحرام، كرسالة للبشرية جمعاء بأن أسس العدالة والنزاهة واحترام الحياة البشرية من أولويات ديننا الحنيف.

والمتتبع لكلمات المليك القائد، في كل محطات جولته، يدرك عمق الرسالة السعودية، ومنهجها الأكيد في حفظ السلام ومحاربة الأفكار الضالة والمنحرفة، بالتوازي مع خطوات أخرى سابقة ولاحقة، لدعم العمل الإنساني في شتى بقاع الأرض، ودعوة لحياة آمنة ومستقرة بعيدة عن المغالطات الفكرية والتشوهات الأخلاقية وصولاً لعالم متسامحٍ ومتآخٍ يتبنى مفهوم الحوار ويعزز قيم الالتقاء المشترك بين جميع مخلوقات الله في أرضه.