جميل الذيابي

كانت مشاهد مبهرة حقاً، ذلك الاستقبال الحار الذي لقيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لدى وصوله إلى إندونيسيا، وقبلها ماليزيا خلال جولته الشرق آسيوية.

كان الاستقبال الإندونيسي حفياً بالملك سلمان على الصعيدين الرسمي والشعبي، مُجسداً في آلاف الأشخاص والأطفال الذين اصطفوا بطول الطريق التي سلكها موكبه من المطار إلى قصر بونغور (وسط جاكرتا).

كان للاستقبال الشعبي في إندونيسيا طعم خاص، كونها تتشكل من عرقيات وأثنيات عدة ولغات ولهجات تتجاوز أكثر من ٧٠٠ لهجة ولغة. كان للاحتفاء الإعلامي الإندونيسي صوت آخر، إذ ظلت القنوات المحلية تنقل وتعيد وقائع الاستقبال طوال فترة الزيارة في احتفاء لم يقم لأي رئيس دولة من قبل.

ولا شك أن إندونيسيا -وهي البلد الأكبر تعداداً سكانياً في العالم الإسلامي (280 مليون نسمة، 85% منهم مسلمون)، ما يعني بمنطق الحساب أن عدد سكانها يكاد يوازي عدد سكان الدول العربية مجتمعة!- بحاجة إلى هذه الزيارة الملكية السعودية، إذ ينظر الإندونيسيون إلى السعودية باعتبارها مهبط الوحي، وبلاد الحرمين الشريفين، ولهذا خرجت تلك الحشود الكبيرة على امتداد الطريق من مطار العاصمة جاكرتا إلى قصر بونغور لإلقاء التحية على الملك سلمان والوفد المرافق له.

لقد كانت زيارة خادم الحرمين لإندونيسيا خطوة موفقة ومهمة، فقد بثت روحاً جديدة في علاقات البلدين العريقة، خصوصاً أن إندونيسيا دولة متطورة، وليست نامية كبقية دول العالم الثالث. فهي عضو في مجموعة الدول الـ20، ونجحت نجاحاً باهراً في مجالات التصنيع، والنمو الاقتصادي خلال السنوات العشر الماضية. والأهم من ذلك كله أنها نجحت في تحقيق التناغم المنشود بين شعوبها المتعددة الأعراق.

واكتسبت زيارة الملك سلمان لإندونيسيا أهمية إضافية من حيث إن الرياض وضعت يدها بيد جاكرتا لوقف محاولات المد الطائفي الذي تمارسه إيران على الشعب الإندونيسي، من خلال الاستقطاب، وإغواء الطلاب بمنح تعليمية في حوزات قم. وهي السياسات نفسها التي حاولت إيران تطبيقها في أفريقيا، لولا أن قادة بعض دول القارة السمراء تنبهوا لذلك المسعى الطائفي الذي يمثل تقيّةً لحجب وهم الهيمنة الإيراني الذي لن يتحقق مهما بذلت طهران من حيل وألاعيب وغش وخداع.

ولعل الدرس الأهم بنظري من زيارة خادم الحرمين لإندونيسيا وماليزيا يتمثل في أنها أكدت لنا أن مثل هاتين الدولتين الإسلاميتين، بحجم سكانهما، وفرصهما الاقتصادية الضخمة، وتطورهما الصناعي، ينبغي على المملكة ألا تغيب عنهما. ويجب ألا يفوتنا القول إن جاكرتا وكوالالمبور عاصمتان مهمتان في العالم الإسلامي والدولي لمواجهة آفة الإرهاب. ولهذا كان لجم الإرهاب بنداً تصدر محادثات الملك سلمان مع الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو. ولم تخل كلمة ألقاها الملك سلمان في كوالالمبور أو جاكرتا من الحض على توحيد المواقف وتنسيق السياسات لمحاربة الإرهاب، والتطرف، والغلو، ورفض التدخلات في الشؤون الداخلية للدول، وهي بكل أسف مشكلات وتحديات يزيدها التهاباً وخطورة سلوك النظام الإيراني، وهوسه بالهيمنة، وإدمانه الطائفية، وخططه لتحقيق مآربه بالفتنة، والشقاق، وحياكة المؤامرات، لتضيع أعمار أجيال، وإشعال النزاعات العبثية في البلاد الإسلامية، مثلما فعل في اليمن، وسورية، والعراق، ولبنان، والتفاخر باحتلال أربع عواصم عربية.

الأكيد أن زيارة خادم الحرمين لكل من ماليزيا، وإندونيسيا، وبروناي دار السلام تمثل انطلاقة جديدة للعلاقات مع هذه الدول الإسلامية الحليفة والصديقة. وستتواصل جولة الملك سلمان لتشمل الصين واليابان والمالديف للبحث عن شراكات أعمق، تتعزز بفضلها الاستثمارات، وتتفتح معها آفاق انطلاق أوسع مدى للتبادل التجاري، ونقل التكنولوجيا، وتمتين الصلات السياسية والاقتصادية والثقافية، مع دول أضحت تملك اقتصادات قوية على مستوى العالم.