حامد الحمود

يبدو أن الرئيس عبدالفتاح السيسي يكن تقديرا للرئيس ترامب، فقد كان أول مهنئيه من بين رؤساء دول العالم. كما تم لقاء بين الرئيسين خلال فعاليات انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، في وقت كان ترامب ما زال مرشحا للحزب الجمهوري.

وقد ترجع جاذبية ترامب للسيسي إلى ابتعاد الرئيس أوباما عنه، وقيامه بتجميد المساعدات لمصر عام 2015 وتوجه من رئيس ديموقراطي آخر كان يمكن أن يستمر بنهج أوباما نحو مصر. هذا ويعد البيت الأبيض لجدولة زيارة السيسي لواشنطن. ويبدو أن الإعجاب بين الرئيسين لم يكن من جانب واحد. فقد صرح ترامب مرة بأن السيسي رجل يثير الإعجاب، وأن هناك كيمياء مشتركة بينهما. لكن هذا الإعجاب لا يكمله معرفة أو خبرة للرئيس ترامب بمصر ومشاكلها الاقتصادية والسياسية. ويبدو أن نقص الخبرة هذا يمتد إلى طاقم الرئيس الذي بدأ بعضهم ينظر بجدية إلى أن تصدر الولايات المتحدة قرارا باعتبار تنظيم الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا. والذي ستكون له آثار كارثية على الطريقة التي ستتعامل بها الولايات المتحدة مع دول في منطقتنا من الكويت وتركيا وإلى المغرب العربي.
فمن نتائج اعتبار الولايات المتحدة تنظيم الإخوان إرهابيا، ألا يتمكن السفير الأميركي في الكويت من الاجتماع مع بعض النواب لاعتبارهم إرهابيين لكونهم ينتمون إلى الحركة الدستورية المرتبطة بالإخوان. والوضع سيكون مشابها في الأردن وكذلك في تونس والمغرب العربي، هذان البلدان اللذان ساهم فيهما التنظيم من خلال حركة النهضة في تونس، والعدالة والتنمية في المغرب في تعزيز المسار الديموقراطي. كما أن اعتبار تنظيم الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا سيعطل أي مصالحة قادمة لنظام السيسي مع حركة الإخوان، مما يعني أن مثل هذا القرار يكون عائقا لتحقيق استقرار في مصر على المدى الطويل.
هذا وإن كان من يرى أن لجوء تنظيم الإخوان إلى العنف في بعض من مراحله التاريخية يبرر وضعه في قائمة الإرهاب، فإنه عليه أن يقبل كذلك وضع أغلب التنظيمات السياسية في منطقتنا والعالم ضمن لائحة الإرهاب. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن تجربة الإخوان وصراعهم مع القوى السياسية في مصر فترة، ومشاركتها الحكم فترات أخرى منذ عام 1928 يجعلها أكثر التنظيمات السياسية خبرة في إدراك أن العنف هو أقل الوسائل نجاعة في إقناع أو للفوز بعقول وقلوب المواطنين. وقد أثبت تاريخ المنطقة والعالم أن أهم الدروس المستقاة من ممارسة العنف هي إدراك لا جدواه.
وتنظيم له مسيرة وطنية وتاريخية غنية بالتجارب على الرغم من ارتكابه أخطاء كبيرة ضمن هذه المسيرة. ولعل المقال الذي نشره القيادي الإخواني جهاد الحداد في صحيفة النيويورك تايمز بتاريخ 22/2/2017 والمهرّب من سجنه الانفرادي في طرة، يكشف لنا عمق الرؤية النقدية الذاتية الفريدة التي وصل إليها. فقد نشر المقال تحت عنوان «أنا أنتمي للإخوان لكني لست إرهابيا». يقول الإخواني السجين مؤكدا إيمان الحركة بالعمل السلمي كمسار: «إنه على الرغم من أننا اضطهدنا في عهد مبارك، فإننا من خلال العمل في البرلمان من خلال المشاركة ضمن تجمعات أظهرنا التزامنا بالتغيير والإصلاح من خلال القنوات القانونية السلمية».
هذا ويعترف الكاتب أن الإخوان عندما تسلموا الحكم لم يكونوا مؤهلين لمعالجة فساد الدولة، وكان خطأ الإخوان أنهم لم ينتبهوا إلى الاحتجاجات الشعبية ضدهم، ويضيف جهاد الحداد: «أنا متأكد أنه قد كتب الكثير حول ما ارتكبناه من أخطاء، لكن أي تحليل موضوعي لما حدث في تلك الفترة، لابد أن يؤكد أن الإخوان كانوا ضد استعمال القوة. لقد ارتكبنا أخطاء كثيرة لكن العنف ليس أحدها».
لذا فإن قفز أحد مساعدي ترامب ليقنعه بوضع تنظيم الإخوان ضمن قائمة الإرهاب، فإن ذلك يعكس جهلا بتاريخ الإخوان والمنطقة، وسواء أحببناهم أو كرهناهم، فإنه سيكون للإخوان دور سياسي كبير في تشكيل مستقبل المنطقة. لكن حتى ولو تمكن أحد مساعدي ترامب من إقناعه بذلك، فإن ما يطلق عليهم «الرجال الناضجون» في إدارة ترامب والممثلون بالثلاثة تيلرسون وماتيس ومكفرسون وهم على التوالي: وزير الخارجية، ووزير الدفاع، ومستشار الأمن القومي الجديد لن يمرروا مثل هذا القرار.