سمير عطا الله

دائماً أكتب أنه لم تكن لي هوايات، ودائماً أنسى أنني كنت مولعاً بالسيارات. ولعل السبب أنه ما من أحد كان فتياً أو شاباً (وقبلها صغيراً) في تلك الأيام إلا وكان مولعاً بالسيارات: كانت صندوق الفرجة المتحرك! وكان معظمها مدهشاً، خصوصاً الأميركية الصنع: ضخامة، فخامة، محرك 8 سلندرات، أجنحة في الخلف ومنقار نسر مرصع في الأمام. ومقاعد نايلون.


العام 1961 كان هناك 350 نوعاً من السيارات، أكثرها معروض إما في واجهات لبنان، أو على طرقاته، وخاصة أمام البيوت المفاخرة. والشاب السعيد لم يكن المتفوق، بل الذي يسمح له والده قيادة سيارة العائلة. وإذا كانت أميركية وحمراء ولها أجنحة في الخلف، فهذا يعني أن العائلة غنية، وكبيرها سوف يخوض المعركة الانتخابية المقبلة. وعندما أطلت المرسيدس ولها جناحان متواضعان، بدت هزيلة ضئيلة لا تصلح لأن تكون إلا سيارة تاكسي. إلا إذا كان مالكها والدك. فأين هي من الكاديلاك التي تشبه العربات الفضائية، أو من الكرايسلر ودودج و«ستوديبيكر» التي كانت لها «طلّة» مختلفة؟ أين؟
أحببت في صورة خاصة «الجاغوار». فهي لا أميركية مرتفعة الثمن، ولا مرسيدس نقل تطاحش كل سيارة أخرى على طرق بيروت. وتركت حب السيارات الأميركية لغيري. وفي نهاية الستينات، كان عدد السيارات في الولايات المتحدة 70 مليوناً، أي أكثر من كل آسيا، وكان حجم «جنرال موتورز» في حجم اقتصاد بلجيكا. وربما لا يزال.
ما أن اقتدرت في عملي قليلاً حتى اندفعت إلى شراء السيارات، طبعاً «بالتقسيط المريح». لكن حجم السيارات كان قد قل، وأجنحتها قصَّت، وصارت الأميركية للنقل لأنها بدل الركاب الأربعة تتسع إلى ثمانية، عدا ركاب الصندوق الخلفي الذين في إمكانهم إلقاء التحيات على المارة.
أين الدرك؟ الدرك حيث يجب أن يكونوا، في المخفر. والسائقون لم ينسَ أي واحد منهم أن يكتب على مقدم سيارته تعويذة «يا سائرة بقدرة مولاك، سيري فعين الله ترعاك»، والمقصود طبعا الرعاية من عيون الدرك.
أمضيت سنوات طويلة في سباق مع السيارات. التي أحلم بها، لست قادراً على شرائها حتى بالتقسيط المريح. وكان الحال في السيارات المستعملة، لكن هذه كانت موضة السنوات الماضية. ومع السنين، صارت السيارات التي أحببتها نادرة، ثمنها أغلى مما كانت عليه جديدة. وقد درجت منذ سنوات على شراء المجلات المليئة بصور السيارات القديمة. هل أجد متعة في ذلك؟ مثل متعة حل الجزء الأفقي من شبكة الكلمات المتقاطعة.. . . . .