عبد الله بن بجاد العتيبي

ستعيش المنطقة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أربع سنواتٍ قادمةٍ على الأقل، وهو بالنظر لمصالح دول الخليج العربي يعتبر خياراً أفضل من سلفه باراك أوباما، وفي المراحل الانتقالية في السياسة تبدو الأسئلة أهم من الأجوبة وتظهر قيمة رؤى الدول المستقبلية أمام امتحانات قوية. ولنبدأ بالأسئلة الصعبة، هل يمكن أن نتخيل عالماً بلا إيران؟ والجواب هو لا بالتأكيد، فإيران أمة وحضارة وشعب لا يمكن بأي حالٍ إلغاؤها من العالم، ومن ثم ينبثق السؤال الثاني، هل يمكن أن نتخيل عالماً من دون النظام الإيراني؟ من دون النظام الفاشل، نظام ولاية الفقيه، أكبر نظام راعٍ ومُصدّرٍ للإرهاب؟ الجواب متعدد الأوجه، ومن أهم أوجهه الجواب بنعم، يستطيع العالم أن يتخلص من نظام بهذه المواصفات، فالعالم يتغير وتتغير معه حركة التاريخ، وحين يوجد قادة يمتلكون من الوعي والقدرة ما يكفي لخلق الظروف المناسبة وبناء التوازنات المتوافقة دولياً وإقليمياً. فإن العالم سيكتشف أن النظام الإيراني لم يعد صالحاً للبقاء، وسيكتشف أكثر أنه لا يجب الانتظار أكثر في التأمل في مسألة بقائه، والانتظار في بعض الأحيان يخلق أشباحاً أكثر قوةً وأشد تهديداً، وما كوريا الشمالية إلا مجرد مثالٍ في هذا السياق.

الرئيس الأميركي ترامب لم يزل يعيد ويبدئ في صياغة أفكاره وبناء مشاريعه، وهو يجرب ويجرب، ويعيد بناء رؤاه وأفكاره، وهو غير حذرٍ من التغيير، ومن هنا تظهر أسئلة ما هي الطريقة الأمثل للتعامل معه؟ وكيف يمكن التأثير في تفكيره ومقارباته لأزمات المنطقة وملفاتها الشائكة؟

جواب ذلك كله يكمن في المبادرة والتعاون، في تبادل المعلومات ومشاركة الرؤى والمبادرات الخلاقة ذات الحلول المتكاملة، إن في الملف الإيراني، الذي تتبعه بطبيعة الحال ملفات بالغة التعقيد على طول تاريخ المنطقة وعرض جغرافيتها، ويمكن التوسع في شرح ذلك كله، وبخاصة والرئيس نفسه وغالب أركان إدارته يعون خطر النظام الإيراني ويعرفون أدواره التخريبية. في الملف العراقي، شبه الفاقد لقراره السيادي بسبب التدخلات الهائلة للنظام الإيراني هناك، ودول الخليج العربي منفتحة على العراق، وتسعى جاهدة لمساعدة قادة العراق وشعبه على فرض سيادته على كامل أراضيه والانعتاق من تلك التدخلات المعيقة لأي تطورات سياسية تدفع باتجاه استقرار العراق ووحدته واستئناف تنميته والتطلع لعلاقات صحية أفضل معه تدفعه باتجاه عمقه العربي.

في الأزمة السورية، وهي إحدى أصعب الأزمات السياسية الكبرى منذ الحرب العالمية الثانية، ورقعة الشطرنج السياسية هناك تتحرك وتتغير باستمرار، فروسيا تدخلت بشكل واسع عبر القاعدتين العسكريتين وعبر الميناء، ومعها إيران ونظام الأسد، ومع الإقرار بخضوع الأسد شبه الكامل لإيران فإن ثمة فروقات مهمة بين أهداف روسيا من جهة وأهداف النظام الإيراني.

هناك أيضاً تركيا التي لديها مخاوف ثابتة من بعض القوات الكردية التي تنشط في شمال سوريا، ومواقفها المتذبذبة بين الاستمرار في الاتجاه غرباً على الرغم من التوتر شبه الدائم مع الاتحاد الأوروبي ودوله والإحساس بالضيم تجاه الرفض الأوروبي الدائم لانضمام تركيا له من جهةٍ وبين بناء علاقاتٍ جديدةٍ مع روسيا الاتحادية، ومواقفها تجاه سوريا تلحظ الجانبين وتترقب أفضل الحلول التي تخدم مصالحها.

في الملف اليمني، تبدو إدارة الرئيس ترامب أكثر تفهماً لـ«عاصفة الحزم» و«التحالف العربي» الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من إدارة سلفه، وهي منفتحة لتعاونٍ أكبر لدعم الشرعية في اليمن والقضاء على مليشيا «الحوثي» وصالح وتنظيم «القاعدة».

أخيراً، فحتى نستطيع بناء تحالفاتٍ أوسع ضد الإرهاب يجب أن نُركز على محاربة التطرف الديني، يجب أن يكون مشروع إنقاذ الإسلام من المتطرفين –لا الإرهابيين فحسب-هو المشروع الأنجح والأنجع في هذه المرحلة.