هاني الظاهري

 
إذا كان المؤرخ العربي القديم قسم العرب إلى 3 أقسام (بائدة، وعاربة، ومستعربة) فإن المستجدات تقتضي إضافة قسم رابع يمكن تسميته بـ«العرب الحاقدة»، ليجسد واقع كثير من مواطني دول «عرب الشمال» وكراهيتهم لكل ما هو خليجي وسعودي تحديداً.


هذه الظاهرة المقيتة التي أشعلها الحسد من تقدم دول الخليج حضاريا واقتصاديا وثقافيا على جيرانها الغارقين في التشرذم والتخلف والانهيار الحضاري ليست وليدة الساعة، بل تمتد لعقود درج خلالها مثقفو الشعارات البائسة على وصف مواطني دول الخليج بـ«عربان النفط والخيام» وما إلى ذلك من أوصاف انتقاصية تخبئ وراءها انكساراً نفسيا وكراهية تأكل أصحابها وتسيطر على انفعالاتهم ومؤلفاتهم التي باتوا اليوم و«لسخرية القدر» يبحثون عن تسويقها في دول الخليج ويقطعون آلاف الكيلو مترات لحجز طاولات صغيرة في معارض الكتاب الخليجية بحثاً عن لقمة العيش، لأن دولهم لم تعد تقرأ من الأساس.

نهاية ديسمبر من عام 2008 نشرت مقالة بعنوان «عندما وقعت في مظاهرة فلسطينية» أشرت فيها إلى مشاهدات شخصية تجسد واقع «العرب الحاقدة»، وأجد من المناسب أن أعيد نشرها هنا ليفهم القارئ الحصيف لماذا أضفنا هذا التصنيف للعرب الجدد.

«في طريقي من مطار الملكة علياء في الأردن إلى أحد الفنادق بواسطة سيارة أجرة وقعت في زحام مروري تبين أن سببه تجمع المئات في الاستاد الرياضي للتظاهر ضد المجزرة الإسرائيلية في غزة.. فطلبت من السائق التوقف حتى يخف الزحام، وأخذت أتابع مشهد الجموع الغاضبة من خلف الزجاج قبل أن أقرر النزول لشراء كوب قهوة من بائع جائل استغل مع العشرات مثله هذا التجمع لـ(تلقيط الرزق)، وقد كنت حذراً للغاية لأن عدداً من الأصدقاء الأردنيين نصحوني بعدم التعاطي مع الجموع الفلسطينية الغاضبة في عمّان، فمنهم فئة تكن حقداً عظيماً وكراهية عمياء لكل ما هو خليجي بل إن حقدها هذا يفوق الحقد الذي تكنه لمن يحتل بلادها، وقد تأكد لي ذلك وأنا أشاهد تلك الجموع تهتف بسقوط الحكومات الخليجية أكثر من هتافاتها بسقوط الحكومة الإسرائيلية، رغم عظم تعاطف وتضامن الخليجيين مع إخوانهم الفلسطينيين وهو تعاطف تشهد به أرقام التبرعات الفلكية والمواقف السياسية المشرفة في مختلف المحافل الدولية.

الطريف أنني عندما وصلت إلى الفندق وسألت عن سبب الحراسة المشددة على مداخله قيل لي إن هناك سياحاً إسرائيليين يقيمون في بعض غرفه.. وقد كان هذا الأمر غريباً بالنسبة لي، لكن حيرتي تبددت تماماً عندما زارني في اليوم نفسه صديق أردني وآخر عراقي استطاعا أن ينتزعاني منها.. كان الصديق العراقي هو المخرج التلفزيوني محمد صلاح الذي أجبرته ظروف بلاده السياسية على الإقامة في الأردن، أما الأردني فهو الأستاذ محمد الخرابشة الرجل المتشبع بطيبة وكرم أهل عمّان.. لقد أثبت لي هذان الصديقان أن الأمور ليست كما تبدو دائماً بعد أن دعياني للتعرف على غالبية السياح الذين قدموا للاحتفال برأس السنة ليتضح أن غالبيتهم من الإسرائيليين العرب أو (عرب 48) وهم بعض الفلسطينيين الذين حصلوا على الجنسية الإسرائيلية وأغلبهم من رجال الأعمال الذين لا تعني لهم القضية الفلسطينية شيئاً بينما يقتص المواطن الخليجي من قوته وقوت أطفاله ليتبرع به للشعب الفلسطيني المنتهك ويتم شتمه ولعنه في كل مظاهرة جديدة في مفارقة عجيبة ومخزية في آن واحد.. لكنه الحقد يقتل أصحابه دون سواهم».