مصطفى الصراف

روسيا دولة ذات تاريخ عريق، ومنذ بداية القرن العشرين جميع الحروب التي خاضتها كانت حروبا دفاعية، وقد بدأت نهضتها الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية، بصفتها قطب الرحى في تكوين الاتحاد السوفيتي، وركزت على الصناعات الحربية وتسليح نفسها لمواجهة ما يهدد نهضتها من أخطار تأتيها من جهة الغرب،

لا سيما من أميركا التي كانت في أوج نهضتها. وعلى عكس الاتحاد السوفيتي كانت أميركا منذ البداية تتطلع إلى نشر نفوذها وهيمنتها عسكرياً واقتصادياً على دول أوروبا، وبقيت هذه النزعة الاستعمارية والسياسة الإستراتيجية لأميركا كما هي حتى يومنا هذا. وهي تنطلق من كونها أكبر دولة اتحادية في العالم، والأضخم اقتصادياً، وتستطيع بتلك القوة الاستيلاء على مقدرات أي دولة تشاء. وهذه هي الروح التي تقمصها ترامب الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأميركية، ولذلك فإن أميركا إن لم تستجب إليها المجموعة الدولية في هيئة الأمم أو مجلس الأمن وتوفير غطاء لها، فإنها تشكل تحالفاً خاصاً بها من الدول التي تدور في فلكها خارج إطار القانون الدولي والأمم المتحدة لتنفذ ما تريده، كما فعلت مؤخرا في حربها على سوريا، فبينما جاء الاتحاد الروسي بناء على دعوة من الحكومة الشرعية في سوريا للقضاء على «داعش»، نجد أن أميركا تتواجد عنوة باسم التحالف الدولي المصطنع، وبدلاً من أن يكون تواجدها في سوريا، كما ادعت، لمحاربة «داعش»، نجدها تقف ظهيراً لتنظيم النصرة وأحرار الشام وتمدهما بالمال والسلاح لإطالة أمد الحرب.
إن أميركا لن تكون يوماً داعمة للسلام ما لم يكن ذلك محققا لمصلحة ما لها، ولذلك لا بد من إدراك أن الخلاص من «داعش» لن يتم ما لم يتم الخلاص من التبعية لأميركا، لأنه لا مصلحة لأميركا في وقف الحرب على المنطقة، فمتى ما أخمد أوارها في مكان، أشعلتها في مكان آخر. ولعبتها في العراق مؤخرا كانت مكشوفة للعيان أثناء محاولة الجيش العراقي تحرير الموصل، حيث أوقفت أميركا الزحف على الجانب الأيمن للموصل، لمدة ثلاثة أسابيع لإتاحة الفرصة لإخراج قادة «داعش» ولإيوائهم في مكان آخر قبل أن يقضى عليهم فيؤدي ذلك إلى تقصير أمد الحرب.