عبدالله الزازان

 كلما زادت مكانة دولة ما في المجتمع الدولي كلما زادت مسؤوليتها الدولية وعظم دورها في التفاعل مع السياسة الدولية ومنطقتنا ذات أهمية إستراتيجية للعالم وقد تقبلنا أن نكون قوة فاعلة في المسرح العالمي وأن نشارك أكثر من غيرنا في التصدي لمشكلات إقليمية وعالمية وأن نكون طرفا أساسيا في الكثير من المعادلات الإستراتيجية في وقت أصبحت فيه التحالفات السياسية مقصدا عالميا مما يستلزم حضورنا الإقليمي والعالمي في كل المجالات متخذين الموضوعية ومواجهة الحقائق سبيلا للتعامل الدولي مع كل القوى الإعلامية والعالمية من أجل الحفاظ على استقلالية منطقتنا واستقرارها مما يستوجب علينا أن نكون قوة فاعلة في مجال التفاوض العالمي باعتباره أحد المحاور المهمة في حسم المواقف ورسم السياسات وإدارة العلاقات الدولية في الظروف الصعبة نأخذه بخيارنا غير مفروض علينا.

فالتفاوض موضوع علمي كبير ومتداخل تسهم فيه علوم السياسة والاقتصاد والاجتماع والفلسفة والجغرافيا وعلم النفس كما يشارك فيه علماء الإستراتيجيات والاستشراف وما من دولة في عالم اليوم إلا وهي مدفوعة إليه.

حيث بدأ العالم يتجه إلى أسلوب التفاوض كبديل لأسلوب القوة الذي كان سائدا أيام الحرب الباردة، وقد وسع دعاة السلام في العالم أساليب التفاوض الدولي ولم تعد مقتصرة على الحروب أو النزاعات، وإنما امتدت إلى التعاون الشامل في كل مجالات الحياة: التجارة، الأمن، البيئة، التكنولوجيا، التبادل العلمي، الثقافي، الكوارث، التلوث. ونتيجة لذلك كثير من الدول سارعت إلى البحث عن أساليب جديدة ومطورة في التفاوض فأنشئت مؤسسات ومراكز تدريب متطورة لإيجاد متخصصين ذوي مهارات تدريبية عالية في مختلف أساليب التفاوض ورصد تجاربهم أو الكتابة في حقل التفاوض والنظريات والمبادئ الأساسية التي تقوم عليها عملية التفاوض، فقد نشرت مجلة الدراسات الدبلوماسية... عرضا لكتابين، الأول عن التفاوض الدولي "International Negotiation" تلخيص د. جميل محمود مراد، يتألف الكاتب من 486 صفحة، ويتكون من أربعة أجزاء رئيسية يتناول الجزء الأول دراسة ممارسات المفاوضات الدولية، أما الجزء الثاني فيتناول المناهج العلمية للمفاوضات ويستعرض الجزء الثالث تطبيق التفكير العملي على المفاوضات أما الجزء الرابع فيتناول التعليم والتدريب.

أما الكتاب الثاني فهو أساليب التفاوض الوطنية "National Negotiation Styles" عرض د. مصطفى عالم، يستعرض الكتاب أساليب مختلفة لخمس دول: الصين، الاتحاد السوفييتي السابق، اليابان، جمهورية مصر العربية، المكسيك. شارك فيه مجموعة من الكتاب، فقد كتب "سولومون" عن السلوك التفاوضي عند الصينيين حيث يرى أن الصينيين يميلون إلى تأسيس علاقة صادقة.. فأهم ما يميز المفاوض الصيني هو مقدرته على إبراز صداقاته للطرف الآخر.. ويهدفون من ذلك إلى تقصي الأهداف باتباع عدد من الإستراتيجيات ترمي إلى استغلال مشاعر الصداقة.. يميل الصينيون أيضا إلى استخدام أسلوب المساومة المستمرة حتى بعد إبرام الاتفاق..

كما كتب كل من "ليسون سلوس" و"سكوت ديفس" عن سلوك التفاوض لدى ما كان يسمى بالاتحاد السوفييتي.

وسوف أختصر ما ذكره د. عالم من أن السوفييت يبدون أكثر عدوانية وأقل رقة يميلون إلى المواجهة والشدة واستخدام القوة، يضعون الطرف الآخر في موقف دفاعي ويتبعون أسلوب الإرهاق بإطالة الجلسات والتعنت وإعطاء تنازلات متقطعة على شكل شرائح وتوقع الحصول على المقابل لكل تنازل.

وقد كتب "استيفن فايس" و"ناشاينال تاير" عن الأسلوب الياباني في التفاوض. ذلك إن اليابانيين يفضلون عدم الدخول في مفاوضات رسمية حيث يعتبرون أن العلاقات الشخصية شيء مهم في المفاوضات ولكنهم لا يؤمنون باستغلال العلاقات الشخصية لأهداف غير مشروعة.

اما أسلوب التفاوض عند الفرنسيين فيقول "مايكل هاريسون" إن الفرنسيين يبتعدون عن الأسلوب الرسمي وخصوصا فيما يتصل بالأمن القومي الفرنسي، بل إنهم يتشددون في إعطاء تنازلات باعتبار أن أي تنازل يؤثر على مكانتهم التاريخية ولذلك فإنهم يحرصون على تجنب المواقف التي قد تضطرهم إلى تقديم تنازلات لدول أقوى لكنهم في نفس الوقت مرنون في تغيير أنماط التفاوض حسب الوقت وسلوك الطرف المفاوض.

أما أسلوب التفاوض المصري فإنه حسب رؤية "وليم كواندات" فإنه يتبع تكتيكا بيروقراطيا متطورا.

يقول وليم: إن المصريين كثيرو الاعتزاز بتاريخهم وإن ظروف الاستقلال التي مروا بها والتدخلات الخارجية التي أصابت بلادهم تجعلهم يشككون دائما في الطرف المفاوض إلا أنهم يظلون خبراء مهرة في اتخاذ تكتيك جريء يفاجئ ويربك الخصم مثلا فإنهم يعمدون إلى تغيير الموقف التفاوضي بصورة مفاجئة ومذهلة مما يضع الخصم أمام تنازلات، وقد حدث هذا في مفاوضات كامب ديفيد، كذلك فإنهم يتقنون أسلوب (المساومة) أو (الوسيط). ويقيم "جورج جريسون" أسلوب التفاوض المكسيكي بأنه يأخذ نمطا دفاعيا، فالمفاوضات غير الرسمية تعطي نتائج إيجابية وخصوصا في الموضوعات الفنية، إلا أن المفاوض المكسيكي ليس لديه صلاحيات في تغيير الوضع التفاوضي وإن كان عنده حيز بسيط في تغيير التكتيك. ويختتم د. مصطفى عرضه بجملة من التوصيات:

أن يكون الهدف واضحا والاستعداد جيدا.

فهم أسلوب الطرف المفاوض ومراعاة المواقف المتشددة التي قد تخل بالتفاوض.

تطوير العلاقة الشخصية بالطرف الآخر والابتعاد عن الاستغلال.

التركيز على التفاصيل خاصة إذا كان هناك مشاكل على الاتفاق.

الابتعاد عن الحساسيات القومية.

التفاهم عن طريق الجلسات غير الرسمية.

لقد أخذ التفاوض بعدا إستراتيجيا بل أصبح الفاعل الحقيقي في المسيرة العالمية. ولكن السؤال الذي يعترضنا:

هل حقيقة عندنا خبراء متخصصون ذوو مهارات عالية في مسائل التفاوض، لقد طور العالم أنماط التفاوض فصارت له مدارسه وإستراتيجياته وتكتيكاته، ولذلك فإن علينا أن نسارع الخطى في تدريب كوادر فعالة سواء عن طريق الشروع في إيجاد معاهد عليا متخصصة أو عن طريق بعثات خارجية فالتفاوض هو سلاح العصر الجديد.