سمير عطا الله

 قبل سنوات وضعت ريما خلف تقريراً عن حال التنمية في العالم العربي استغرق العمل عليه نحو عامين. كان التقرير دراسة بحثية علمية قائمة على الأرقام والوقائع والحقائق. وبسبب عدائنا العضوي للأرقام والوقائع والحقائق، اتهمنا ريما خلف وشركاءها «بالأمركة». وبدل أن نبحث عن وسائل لتصحيح أوضاعنا المعيبة، شتمنا الاستعمار والإمبريالية، وذهبنا إلى النوم. أما الذي تفجر ولم ينم، فكان الأوبئة التي تحدث عنها التقرير.

هذه المرة وضعت ريما خلف تقريراً بالأرقام والحقائق والوقائع عن وضع الفلسطينيين في أرضهم، ووصفت النظام الإسرائيلي بأنه نظام عنصري على طريقة جنوب أفريقيا في الماضي. وهب الإسرائيليون. لماذا هب الإسرائيليون؟ لأنهم دولة مساواة وعدالة ونموذج للمثل الإنسانية. وكان على ريما خلف أن تستقيل، لأنها لم تُلحق الظلم بإسرائيل وحدها، بل أيضاً بالأمم المتحدة وراعيتها، أميركا.
الميزة الأهم في الأمين العام الجديد، السنيور غوتيريس، أنه يجيد قراءة أفكار وآراء الإدارة الأميركية الجديدة هي أيضاً.
وكانت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، السيدة نكي هيلي، قد أعلنت بلغة بالغة الوضوح، لكل من يعنيه الأمر، التالي: «سوف تكتشفون تغيرات مهمة في طريقة تعاملنا. سوف نظهر القوة ونرفع الصوت وندعم حلفاءنا، ثم نتأكد من أنكم تدعمونهم أنتم أيضاً. الذين لا يؤيدوننا، سوف ندوّن أسماءهم ونعاملهم كما ينبغي. إنه بداية فجر جديد للتعامل بين أميركا والأمم المتحدة».
أول ضحايا هذا الفجر، كانت ريما خلف، مديرة «الإسكوا». حدث لها ما حدث من قبل لبطرس غالي، عندما سمى إسرائيل في تقريره عن مجزرة قانا. كان يجب أن يقول إن الذين ارتكبوا المجزرة مخلوقات من عطارد، هبطت سفينتهم الفضائية اضطراراً قرب الحدود اللبنانية.
دخلت ريما خلف تاريخ الضمائر، ولا أعتقد أنها تريد أكثر من ذلك. وسجلت لشعبها وأهلها شهادة في سجل الشرف الطويل. وقد تعود غداً وزيرة في الأردن، هي وكفاءاتها العالية وحيويتها الفائقة. لكن المؤسف أن الرجل غوتيريس بدأ سجله المهني ببصمة سوف تلاحق عمله من بدايته. ليس أعلى موظف أممي، بل مجرد موظف محلي في نيويورك.. .