اميل خوري

إذا كانت سياسة اللعب عند حافة الهاوية هي التي مارستها إيران في الانتخابات الرئاسيّة في لبنان ونجحت في جعل حتى خصومها يوافقون وإن مُكرهين على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وإلّا استمر الشغور الرئاسي إلى أجل غير معروف، فتكون له تداعيات خطيرة على لبنان هويّة وكياناً... فهل تستمر في ممارسة هذه السياسة في الانتخابات النيابية فتعود وتخيّرهم بين القبول بالنسبية أو لا انتخابات، فيكون لتداعيات رفضها ما هو أخطر على لبنان ظنّاً من إيران أنها تضمن لـ"حزب الله" وحلفائه الفوز بالنسبية بأكثرية المقاعد النيابية، فتستطيع عندئذ أن تحكم لبنان من خلال هذه الأكثرية وإدخاله في فلك نفوذها، ولا تعود في حاجة الى احتفاظ الحزب بسلاحه الذي يعتبر غير شرعي ليكون له الحكم، عندما يحكم لبنان ديموقراطياً وبطريقة شرعية لا اعتراض عليها.

الواقع أن إيران تُدرك أن ليس في إمكانها أن تظل معتمدة على سلاح المجموعات المذهبية التي تسلّحها في لبنان وغير لبنان لمدّ نفوذها، وأنه لا بدّ لها من اللجوء إلى الأصول لحمايته وذلك بتأمين فوز المُوالين لها في الانتخابات النيابية بأكثرية تكون وازنة، سواء في الانتخابات الرئاسيّة أو في تأليف الحكومات وفي إقرار المشاريع المُهمّة. وهو ما فعلته سوريا عندما كانت وصيّة على لبنان بسنّ قوانين انتخابية تضمن فوز المُوالين لها بأكثرية تؤيّد بقاء وصايتها على لبنان إلى أجل غير معروف. ولم يستطع معارضوا استمرار هذه الوصاية تعطيل الخطة السورية بمقاطعة انتخابات 1992 التي بلغت نسبتها 85 في المئة من الناخبين لأنّها لن تكون حُرّة ونزيهة في ظل الوجود العسكري السوري الذي كان يصفه البعض بالاحتلال، وكان العماد عون من بين الداعين الى هذه المقاطعة، ووجه من فرنسا نداء إلى اللبنانيّين يشرح لهم فيه أسباب دعوتهم إلى المقاطعة التي لاقت تأييد البطريرك الكاردينال صفير.
وإذا كانت الوصاية السورية استطاعت أن تُعطي الشرعية لمجلس نيابي لا يمثّل إرادة الشعب تمثيلاً صحيحاً وفيه نواب فازوا بـ 44 أو 130 صوتاً، وظهر أن السياسة الأميركية لم تكن مناهضة للسياسة السورية في لبنان بدليل أن سفيرها في لبنان حضر شخصياً أول جلسة عقدت لذاك المجلس كإشارة اعتراف بشرعيته.... فهل تستطيع السياسة الإيرانية في لبنان أن تنجح كما نجحت السياسة السورية في وضع يختلف عن الماضي، سواء في لبنان وفي المنطقة، وسواء بالنسبة الى السياسة الأميركية في إدارتها الجديدة.
فهل تنجح إيران في وضع خصومها في لبنان بين خيارين: إمّا القبول باجراء انتخابات نيابية على أساس النسبية الكاملة ظنّاً منها انها تضمن الفوز بالأكثرية لحلفائها في لبنان، وإمّا يبقى لبنان من دون انتخابات إلى أجل غير معروف ومن دون تشريع، ويكون لذلك تداعيات على عمل المؤسّسات تفوق خطورتها استمرار الشغور الرئاسي؟
ثمة من يقول إن الاتجاه لتأجيل اجراء الانتخابات النيابية له بعد سياسي أكثر منه تقني، وذلك للحصول على مزيد من الوقت، ليس للاتفاق على قانون للانتخاب فقط إنّما انتظار التطوّرات في المنطقة ولا سيما في سوريا بحيث تنعكس نتائج هذه التطوّرات على الوضع في لبنان وعلى صيغة قانون الانتخاب نفسه. فإذا جاءت التطوّرات لمصلحة السياسة الإيرانية في لبنان فإن قانون الانتخاب يكون كما تريده إيران وحلفاؤها، ويخضع لبنان عندئذ لوصاية إيرانية غير مباشرة عبر "حزب الله" وحلفائه. أمّا إذا لم تأتِ لمصلحة سياسة إيران فإن الحفاظ على وحدة لبنان الوطنية وعلى العيش المشترك والسلم الأهلي قد يفرض عندئذ اتفاق الأقطاب فيه على تحييد لبنان عن صراعات المحاور، فيصبح قول الرئيس ميشال سليمان: "إن إعلان بعبدا ليس ظرفياً، ومن يراه اليوم انه غير مهمة ولا قيمة ميثاقية أو وفاقية له، سيجد فيه قيمة كبيرة مضافة للبنان قريباً". فهل يمكن القول إن إضافة هذه القيمة للبنان باتت قريبة قرب الاتفاق على قانون تجرى الانتخابات النيابية المقبلة على أساسه وتؤثّر نتائج التطوّرات في سوريا في إقراره، فيكون تأجيل اجرائها تأجيلاً سياسياً أكثر منه تقنياً باعتبار أن سوريا كانت تاريخياً تؤثّر في لبنان، ولبنان يؤثّر في سوريا.