فـــؤاد مطـــر

 يستضيف الأردن اليوم الأربعاء القمة العربية الدورية. ويأتي الانعقاد في الزمن العربي الأكثر صعوبة وتعقيداً وتشابكاً، ولكن سيظل الأمل يحدونا، ونرى بارقة هذا الأمل في قرارات واضحة، وتوصل المؤتمر إلى رؤية عربية موحَّدة لكثير من القضايا.


كما يأتي الانعقاد بعد حدثيْن لافتيْن على الصعيد العربي - الدولي، يتمثل الأول بنوع من الانسجام في الرؤية السعودية - الأميركية إزاء القضايا المقلقة والعالقة، وبالذات المسألة المتصلة بإصرار النظام الإيراني على إقلاق جيرانه الخليجيين، وإمعانه في الهيمنة على القرار العراقي، ومصادرته للإرادة السورية، يتقاسم هذا الدور غير المستحَب مع روسيا التي وصل بها التحرش بالدولة السورية إلى حد أنها في إطار السعي للتسوية، تريد أن تضع هي دستور سوريا ما بعد إنجاز وقْف إطلاق النار، كما وصل الأمر بها إلى حد أنها تحذف، إن هي استطاعت، كلمة العربية من اسم الدولة. وفي حال حدث ذلك لا تعود سوريا جزءاً من هويتها التاريخية المعروفة، وإنما دولة منزوعة الهوية الأساسية التي تتجسد في عروبتها.
أما الحدث الثاني فهو أن الملك الأردني عبد الله الثاني - وقبل اللقاء الاستثنائي الأهمية في البيت الأبيض يوم 14 مارس (آذار) الحالي بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي ولي العهد السعودي - قام بزيارة إلى موسكو في يناير (كانون الثاني) الماضي. وبطبيعة الحال كان هنالك تشاور مع الرئيس بوتين، ثم مع الرئيس ترمب حول الأوضاع في المنطقة، وبلوغ اللجوء والنزوح السوري إلى دول الجوار ومنها الأردن عتبة السبعة ملايين نازح، فضلا عن سياسة إيران التي هي مثار إقلاق ليس لجيرانها الخليجيين فقط، وإنما للبعيدين والأبعد من أقطار الأمة. وقبل هذا كانت المكالمة الهاتفية المهمة التي تلقاها الملك سلمان بن عبد العزيز، واستغرقت ساعة، من الرئيس ترمب، مما يعني أن المشهد بات واضحاً أمام الرئيس ترمب، وفي ضوئه قد تكون المنطقة على موعد مع تطورات، طالما لمسنا طبيعتها في مفردات التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأميركي خلال الأسابيع الخمسة الماضية، ثم لاحقاً في قول وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أمام «مؤتمر ميونيخ للأمن» في فبراير (شباط) 2017: «إن إيران أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، وجزء من تشريعها هو تصدير الثورة...»..
ما نريد قوله إن خادم الحرمين الشريفين والعاهل الأردني، هما الأدرى بما ستكون عليه رؤية الإدارة الأميركية، خصوصاً أن الرئيس ترمب لم ينتظر انقضاء المائة يوم الأُولى من رئاسته لكي يرسم ملامح هذه الرؤية، التي بلورت النتائج غير المعلنة لجولات التحادث التي أجراها الأمير محمد بن سلمان خلال زيارة واشنطن مع إدارات صنْع القرار الأميركي الكثير من أهدافها. وعلى هذا الأساس فإن أمام القمة فرصة لاتخاذ موقف عربي وبالإجماع من الموضوعات التي يتأجل حسْمها من إدارة أميركية إلى أُخرى، وبحيث إنه منذ أن تم إحياء عقْد القمم العربية بدءاً من القمة التي دعا إليها الرئيس (الراحل) جمال عبد الناصر واستضافها في القاهرة يوم 13 يناير (كانون الثاني) 1964، تعاقب على رئاسة الولايات المتحدة سبعة رؤساء ومن دون حسْم قضايا عالقة. ولذا فإنها بعدما لم تحسم الموقف من إسرائيل بموجب قرار مجلس الأمن 242، تتالت القضايا العالقة إلى أن وصلْنا إلى موضوع الدولتيْن، المهدد الآن، وكذلك التوجه نحو نقْل مقر السفارة الأميركية إلى القدس وبذلك نكون أمام «أُم القضايا العالقة» لأن النقل معناه في الأدنى إهداء القدس بالتدريج للصهاينة.
يبقى أن بين مقر انعقاد القمة العربية على ضفاف البحر الميت والقدس مسافة لا تتجاوز خمسة عشر كيلومتراً. أما دول الجوار الملتهب من سوريا إلى العراق، فإن الفضائيات العربية والدولية تفي بالغرض. لعل هذه المصادفة، أي مجاورة الأقصى الأسير الذي يعبث الإسرائيليون بحجارته وساحاته، وكذلك مجاورة اللهيب المشتعل دون توقُّف في الرئتيْن العربيتيْن المصادرتيْن من إيران الخامنئية وروسيا البوتينية، سوريا والعراق... لعل هذه المصادفة تُحفِّز القادة الذين سيجتمعون على التصافي ولو في الحد الأدنى، والخروج بموقف عربي واحد على الأقل إزاء الحل السياسي الحاسم للمحنة السورية، وترويض أهل الرافديْن على العيش المشترَك، وكذلك إزاء موضوع الدولتيْن.
ومن واجب القادة العرب الذين يلتقون في رحاب الأردن تعويض ما فات، وذلك لكي تأخذ القرارات رونقها وفاعليتها، واتخاذ موقف متقدم وحازم إزاء السياسة الإيرانية الباعثة للمخاوف والشكوك والقلق رغم كثرة إبداء «حُسْن النوايا».
وفي تقديرنا أن إيران ربما ترى أن إعادة النظر فيما تفعله ضرورية، ما دام هنالك – باعتبار ما يتمنى الشعب العربي المقيم واللاجئ والمهاجر والمهجَّر والمهجور - موقف عربي بالإجماع أو بنسبة كبيرة يتوقع منها أن تكون دولة جارة تتعاون وتقتنع بأنها في تحرشاتها وتدخُّلها في شؤون دول عربية وإسلامية ثم تحفيز طيفها اللبناني متمثلا بالأمين العام ـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله للنيل منها، عطَّلت التنمية ولا تزال بدل أن تؤدي دوراً تذكره الأجيال بالخير. وما نراه في سوريا والعراق واليمن ولبنان سابقاً وبصيغة معدَّلة حالياً وحتى إشعار آخر الدليل على ذلك. هدى الله إخواننا أهل الثورة الإيرانية ومِن حولهم أطيافهم في بعض دول الأمة وبالذات الطيف اللبناني، إلى سواء السبيل والتفهم، وسدد الله خطى القادة الذين سيلتقون اليوم على ضفاف البحر الميت غير بعيدين عن الجوار الملتهب، سوريا والعراق، مقابل القدس التي أضحت لعبة بين يدي نتنياهو الذي يتطلع إلى أن تبقى أميركا هي في المقابل اللاعب معه... وتلك مصيبة المصائب على الأمة وعلى أميركا معها. وهذا نقل محاذيره بكل المبدئية والوضوح والحرص الأمير محمد بن سلمان إلى الرئيس ترمب. فهل تصدر فجأة من البيت الأبيض بشرى لحل دائم للقضية الفلسطينية؟. .