سمير عطا الله 

أثار كلام الشيخ سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، عن استقلال الجزائر، حفيظة الجزائريين. فقد قال إن الجنرال ديغول منح الجزائر الاستقلال إرضاء للرئيس جمال عبد الناصر، ورأى الجزائريون في ذلك إهانة لـ«المليون شهيد» الذين سقطوا في حرب الاستقلال.


وفي اعتقادي أن كلام الشيخ سلطان مجتزأ وخارج السياق. فالرجل، أولاً، مؤرخ متضلع، لا يمكن أن تفوته خفايا الأشياء، فكيف نارها. وثانياً، هو من جيل قومي شارك آنذاك، على طريقته، وبما ملك من طاقات، في نضالات الجزائريين. ولا أعتقد أن عربياً من جيله وفي تنشئته، كان بعيداً عن تطورات الثورة والاستقلال.
لعلها مناسبة لأن أعود إلى بعض ذكريات المرحلة. فقد كان كل حظي ودوري في مساندة الحرية الجزائرية رواية بعنوان «الحب والجزائر»، كان كل حظها من النشر، مقالاً في «الأسبوع العربي» بقلم أنسي الحاج، الذي ساءه الموقف «السياسي»، وليس الأدبي، من الرواية. لكنني عدت وألغيتها بسبب موقفي الأدبي منها. فقد وجدتها بعد عامين، عملاً طفولياً رومانسياً، فقد معناه ومبرره في لحظة الاستقلال. وتلك الأسماء التي كانت تملأ العالم كأبطال تحرير ومناضلين، أصبحت تذكر الآن كأبطال صراع سياسي على السلطة والنفوذ والنظرة إلى المستقبل.
غير أنني سوف ألتقي، فيما بعد، في هذه المهنة فاتحة الأبواب، عدداً من تلك الرموز الكبرى، إما في منافيهم، وإما في مناصبهم: الرئيس أحمد بن بيلا في بيروت، بعد خروجه من سجن رفيقه هواري بومدين، وزير الخارجية عبد العزيز بوتفليقة، مكتسحاً الأمم المتحدة بشعر مرسل على طريقة غيفارا، وابتسامة عريضة غابت عن الثوار، وحسين آيت أحمد، وطالب الإبراهيمي في جنيف. وفي بيروت، نشأت صداقة مع محمد يزيد، وزير إعلام الثورة، الذي أصبح سفيراً لدى لبنان.
كانت واسطة التعارف الأول، السيدة علياء الصلح، التي أغنت الصحافة اللبنانية يومها بالانضمام إلى «النهار»، تكتب افتتاحية أسبوعية، يهتز لها لبنان، وينتشي بها سياسيو العرب. بعد العشاء الأول عند الدكتور محمد يزيد، أصبحت ضيفاً شبه دائم بين مجموعة ضيوفه. وبعكس الثوار العرب الذين يعتبرون تقطيب الجبين فرضاً من فروض محاربة الإمبريالية ومقارعة الاستعمار، كان الرجل باشاً، يعثر على الدعابة في مواطن اللمحات والممالحات، يتجاهل الحواشي ولا يساوم في المتون. وبهذه الملامح استقطب وزيراً لإعلام الثورة، صداقات صحافية من الغرب والخصوم، وطبعاً الأصدقاء. وفي بيروت كان هذا لا يزال طبعه ودأبه.
إلى اللقاء.