سمير عطا الله

عام 1974 كنت في مدينة كيبك الكندية مع غسان تويني ومروان حمادة لحضور مؤتمر حول القضية الفلسطينية، عندما تعرفت إلى صديقهما جان لاكوتور. كان التعرف إلى لاكوتور شخصياً حدثاً مهنياً، وإلى حدٍ بعيد، إنسانياً أيضاً. فقد كان واحداً من بضعة صحافيين (الموند) كبار في الغرب، يكتبون عن شؤوننا وقضايانا بعين الموضوعية. 

بعد وقت قليل على ذلك اللقاء، تقاعد لاكوتور من الصحافة لينصرف إلى مهنته الجديدة والكبرى مؤرخاً للزعماء الذين عرفهم عن قرب: عبد الناصر، وديغول، وقادة الجزائر. وقبل وفاة غسان بقليل، أصدر كتاباً عن سيرته، تجاوز بكل حرفية ومهنية، السيرة الذاتية التي وضعها تويني عن نفسه: «سرّ المهنة وأسرار أخرى». عندما قررت في هذا المقال العودة إلى زعماء الجزائر، أول من خطر لي، كان لاكوتور. 

عن هواري بومدين: «عندما خرجنا من لقائنا الوحيد معه، قالت لي زوجتي إن فيه شيئاً من عبد الناصر». لكنه لم يكن بليغاً مثله، ولا كان يحب مخاطبة الجماهير التي لا يعرف كيف يشعل حماسها. وبعدما أطاح بن بيلا، وجّه خطاباً إلى الشعب من التلفزيون: «صوت من دون صورة». لم أعرف في حياتي ظاهرة مشابهة في رفض شخصانية السلطة. قال لي المؤرخ الجزائري محمد الحربي (2008) إن بومدين هو رجل الدولة الوحيد الذي عرفته الجزائر.

* عن بوتفليقة: كان يد بومدين اليمنى؛ أولاً وزيراً للشباب، ثم وزيراً للخارجية طوال 30 عاماً. ذكي وحاذق، ولكن ...
* عن محمد يزيد: رجل لامع، التقيته مرات عدة في القاهرة وتونس والأمم المتحدة.
* عن آيت أحمد: مثقف كبير من مستوى آندريه مالرو. كان يحفظ شعر راسين أفضل مني.

كان هذا انطباعي أيضاً عن آيت أحمد، الذي بدا في تواضعه مثل سنبلة قمح مثقلة بخصب الزرع. والتقيت مع لاكوتور في الإعجاب الشديد بمحمد بوضياف، الذي اختار الابتعاد عن صراع الرفاق، فذهب إلى المغرب ينشئ مصنعاً للآجر. غير أن ثمة من دعاه للعودة إلى السلطة، فعاد مطمئناً. وبعد فترة قصيرة اجتاحته رصاصة غادرة من الخلف. ولم يحزنني موته بقدر ما أحزنني طيب قلبه الذي حمله على العودة.

لا يكتمل الحديث عن الجزائريين دون الحديث عن الأخضر الإبراهيمي، الذي التقيته أول مرة في الثمانينات، بمنزل المحامي باسل عقل، في لندن. أول ما يبرز في الإبراهيمي، الجزائري الذي فيه الصلابة. رجل أمين بدأ علاقته مع حقائق العالم وصعوبتها منذ أن كان سفيراً للثورة في مصر، ثم وزيراً لخارجية الجزائر، وبعدها؛ مبعوثاً للأمم المتحدة والجامعة العربية، في سلسلة من القضايا الشائكة؛ من أفغانستان إلى لبنان. ختم حياته الدبلوماسية وسيطاً في سوريا، حيث قال منذ البداية، إن استمرار الحرب سوف يفضي إلى الصوملة.