مشاري الذايدي

من المشاهد التي لفتت النظر في القمة العربية الأخيرة بالأردن، بجوار الأرض المقدسة، في فلسطين، حيث كان الاجتماع في قاعة عند البحر الميت، كلمة الأمين العام للأمم المتحدة، السياسي البرتغالي أنطونيو غوتيريس، أمام قادة العرب.

غوتيريس تحدث بما هو متوقع منه، عن قبح الحرب وحسن السلام، وعن مأساة اللاجئين جراء الحروب في ديارنا، ثم فاجأ الحضور باستشهاده بالآية السادسة من سورة (التوبة) ونطق اسم السورة بالعربية، ثم ساق معنى الآية، أو «تفسيرها» أو تأويلها، حسب قاموس علماء التفسير القدامى، وشيخهم ابن جرير الطبري.

نص الآية: «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ استجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَى يَسْمَعَ كَلَام اللَهِ ثُمَ أَبلغهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ».

ساقها الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، وهو يعلم أنه في عمق المنطقة العربية المسلمة، في لحظات توتر ديني طائفي واجتماعي هائل، حتى يقول بما معناه، ها قد احتججنا عليكم بالكتاب المقدس يا من تدعون التأسي بالقرآن. طبعاً هو هنا يخاطب الجماعات والعصابات الإرهابية، ومعهم ربما، بالحديث عن اللاجئين، من يتخاذل في إيواء اللاجئين السوريين والعراقيين.

البرتغالي غوتيريس يبدو أنه سعيد بهذا الاكتشاف، فقد سبق له الاستشهاد بهذه الآية، في فبراير (شباط) الماضي بجامعة القاهرة، مقدماً الشكر لمصر على جهودها في أزمة اللاجئين التي تعصف بالمنطقة، قائلاً إن «أبلغ ما قيل في حماية اللاجئين، ما قرأناه في سورة التوبة، حينما يقول الله في القرآن الكريم (مفسّراً بالإنجليزية) إن حماية اللاجئين ينبغي أن تقدم للمؤمنين وغير المؤمنين أيضاً، وهذا أبلغ ما قرأته بالنسبة لحماية اللاجئين».

بادرة حسنة من هذا المسؤول الدولي «المسيحي» أن يقدر الدين الإسلامي، غير أن مهمة الأمم المتحدة ليست في مثل هذه اللفتات، بل في العمل الجدّي على تكريس السلم، والعدل و«القسطاس المستقيم»، فحيث وجد العدل والرحمة، فثمة دين الله، دون الحاجة للغوص في بحار التفسير، فتلك بحار متلاطمة الأمواج، لها ربابنتها الحذقة.

هذه اللفتة من الدولي البرتغالي، ومثله الإيطالية مسؤولة الأمن والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي (فيديريكا موغيريني) التي بدأت كلمتها في قمة الأردن، بلغة عربية لا بأس بها، على مستوى المجاملات، تشير للمدى الذي وصلته مسألة الانغماس العالمي، الغربي منه خاصة، في المسألة الثقافية الفكرية الإسلامية. وكما قيل، قضية المقاومة الثقافية لخطاب التطرف والإرهاب، من داخل البيت المسلم، هي مسألة عالمية، لا تخص المسلمين فقط، مثل مسألة الاحتباس الحراري، التي تخص كل البشر.

نحن نقاتل الإرهابيين كل يوم على «تأويل» القرآن، مثلما فعل سلفنا مع الخوارج.