عبدالله خليفة الشايجي

مجدداً، التقى العرب في قمة عربية جديدة عقدت في البحر الميت بالمملكة الأردنية الهاشمية، وسط متغيرات اعتدنا أن نسميها في مثل هذا الموسم بالظروف الاستثنائية والدقيقة والأزمات التي تضرب وتضعف النظام العربي المترهل، متغيرات إقليمية كبيرة ودولية غير مسبوقة؛ من صعود اليمين الشعبوي، وانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ووصول ترامب للبيت الأبيض في واشنطن، وتغير في مقاربات الولايات المتحدة حول قضايا المنطقة، وحرب باردة مع إيران التي يصطف إلى جانب مشروعها بعض العرب، فيما تزيد إسرائيل من عربدتها مستقوية بالدعم الأميركي اللا محدود، بينما يصر بعض العرب على تذكيرنا بأن القضية الفلسطينية لا تزال القضية المركزية للعرب، ويتمسك القادة بحل الدولتين والوقوف مع الشعب الفلسطيني.

ورغم تلك المتغيرات وأجواء التفاؤل التي سبقت انعقاد القمة، وارتفاع عدد القادة الذين شاركوا في قمة اليوم الواحد في أكثر منطقة انخفاضاً في العالم (البحر الميت)، ما رفع إيجابية نتائج القمة لإيجاد حلول لأزماتنا وحروبنا ضد الإرهاب ومواجهاتنا الإقليمية وبالوكالة وبصبغة طائفية وبتحالفات متغيرة! وهناك من تفاءل بأن العرب باتوا أكثر واقعية وبأنهم حيّدوا جميع خلافاتهم لصالح رص الصفوف في مواجهة سيل التهديدات والتحديات التي تعصف بالجسد العربي المترهل! لكن هل هذا التفاؤل واقعي أم رغائبي؟!

تزامن انعقاد القمة العربية مع مرور ست سنوات على موجات «الربيع العربي»، الذي عطّل التنمية والبناء في عدة دول عربية، والذي وصفه أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد بـ«ربيع الوهم!»، مطالباً باستخلاص العِبر من الحقب العربية المظلمة. كما تزامنت القمة مع اشتداد الحرب على تنظيم «داعش» في الموصل والرقة، ومع هجمة استيطان إسرائيلية، وتغير في سياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط بالتقائها مع الحلفاء العرب في قضايا محددة وافتراقها في ملفات مهمة؛ من دعم غير محدود لإسرائيل (كما يتضح من المؤتمر السنوي لـ«إيباك» الذي تزامن مع القمة العربية)! كما تزامن انعقاد القمة مع الذكرى الثانية لانطلاق عاصفة الحزم بقيادة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي في اليمن.

ويبرز الخلاف صارخاً حول مستقبل بشار الأسد، والمفاوضات السورية، ودور أميركا في الحرب على «داعش» في سوريا والعراق، وعلى «القاعدة» في اليمن، وكذلك التقارب الأميركي الإيراني الذي بدأه الرئيس أوباما، لكنه وصل نهايته على يد ترامب وصقور إدارته.

لم تأت القمة العربية بجديد باستثناء أجواء التفاؤل المبالغ فيها، لذلك لم يتوقع أحد أن ينجح العرب في التأثير على قرارات ترامب ونتنياهو حول المستوطنات ونقل السفارة الأميركية إلى إسرائيل. وقد جاء البيان الختامي للقمة عائماً بمطالبة «الدول» (وليس أميركا تحديداً) بعدم نقل سفاراتهم للقدس!

والسؤال هنا هو: هل كان هاجس إنجاح القمة العربية هو الاتفاق على الحد الأدنى من الاتفاق حول الحرائق المشتعلة في كثير من أنحاء العالم العربي، لبث روح التفاؤل عند الشعوب العربية التي لا تعلق كبير آمال على مخرجات القمم العربية وربما يئست من فعالية النظام العربي ككل.. ونحن نرى مأساة حلب بالأمس ومأساة الموصل اليوم، وبعدهما الرقة وغيرها من حواضر العرب؟!

اليوم، وبعد عقود من قيام جامعة الدول العربية، تعددت التهديدات وتشعبت التحديات وتكرست الانقسامات العربية، ولم تعد التهديدات الصهيونية أو الإسرائيلية هي التهديدات الأولى والأخطر في نظر الكثير منا، بل ربما تراجعت خطورتها (في نظر البعض)، قياساً إلى التهديدات الأخرى التي تداهم العرب جميعاً وتعمل على تفتيت وتجزئة وتقسيم الدول العربية وفق خطوط طائفية ومذهبية وعرقية!

ويبقى العرب والمسلمون اليوم أكثر ضحايا الإرهاب الذي يصر ترامب واليمين الغربي على وصفه بـ«الإرهاب الإسلامي المتطرف»، وذلك ما أشار إليه الملك عبد الله في القمة، حيث أوضح أن «الإرهاب يهدد العرب والمسلمين أكثر من غيرهم». وهذا واقع على العالم أن يعيه كما هو؛ فنصف اللاجئين في العالم هم عرب، وأغلبية قتلى حروب الكرة الأرضية هم عرب!

لكن قبل أن يجف حبر البيان الختامي لمؤتمر القمة العربية، أعلنت الأمم المتحدة أنه للمرة الأولى تجاوز عدد اللاجئين السوريين في دول جوار سوريا حاجز الـ5 ملايين لاجئ! وأعلنت أميركا تغييراً في موقفها من الأزمة السورية، حيث كشفت أن إسقاط نظام الأسد لم يعد من بين أولوياتها في سوريا، قائلة إن مستقبل الأسد يقرره الشعب السوري! (أي من ظلوا على قيد الحياة من السوريين وليس المشردين واللاجئين)، في ظل سراب مفاوضات جنيف وأستانا! ورفع الأكراد علمهم فوق كركوك، وسكب نتنياهو ماءً بارداً على بيان القمة العربية، بإعلانه الحكومة الأمنية المصغرة، وإعلانه رسمياً كذلك عن بناء مستوطنة في الضفة الغربية للمرة الأولى منذ عقدين!

وفي المجمل، فإنه مع كل قمة عربية تتسع خريطة التهديدات والمخاطر، حتى بتنا نأمل أن لا يزيد تراجعنا وضعفنا ونعجز عن بلورة مشروع عربي يتصدى ويردع الخصوم والأعداء.. فمتى يشرع العرب في تغيير هذا الواقع؟!