بكر عويضة

في ظرف ما، تقدم الدول كافة على إجراء تعديل مادة أو أكثر في دساتيرها، كذلك تفعل كبرى المؤسسات الدولية، فما المانع أن تقدِم حركة سياسية على تعديل برنامجها السياسي؟ المنطق يقول إن التعديل مطلوب، بل هو يعكس حيوية قيادة الحركة، إذا كان ما ستقدم عليه ينسجم مع متطلبات واقع جديد على الأرض.

في هذا السياق، ينبغي الترحيب بما نُشر وأذيع عن نية حركة «حماس» إعلان وثيقة تتضمن ما وصف بتعديل برنامجها السياسي. بيد أن الأهم من مجرد الترحيب، وضجيج آراء محللين كُثرٍ تَبع كل تسريب بشأن ذلك الإعلان المرتقب، هو السؤال عن المقاصد. ماذا تريد «حماس» من التعديل على وجه التحديد؟ أهي بصدد الإقدام على تعديل يرقى إلى مستوى تغيير جريء في ميثاقها الأساسي، أم أن الأمر لن يتجاوز إعادة صياغة شعارات سبق تكرارها من قبل في مناسبات عدة؟
مما نشرته الصحف، وفي مقدمتها «الشرق الأوسط»، وما بُثَّ عبر قنوات ومواقع عدة من بنود التعديل المرتقب، يمكن القول إن التغيير الجذري هو آخر ما يخطر ببال قيادة حركة المقاومة الإسلامية. والواقع أن ما من قيادة تتولى أمر «حماس» يمكنها أن تقدم على تغيير جذري في صلب ميثاق تأسيس حركة المقاومة الإسلامية، عشية اندلاع الانتفاضة الشعبية الأولى ديسمبر (كانون الأول) 1978؛ لسبب بسيط؛ هو أن مثل هذا التغيير سيقود إلى تعديل اسم الحركة ذاته وشعارها، وربما علمها، ثم البحث في شأن مستقبل سلاحها. قد يُقال إن الدول تقدم على تعديل بنود إجرائية في دساتيرها، ولا تلغي ثوابتها الأساسية، أو تبدّل أسماءها وأعلامها، رغم حصول استثناءات. صحيح، لكن «حماس» ليست دولة، والتعامل الدولي معها ينطلق مما يتضمن ميثاق تأسيسها، لا من مجرد تعديل بنود في برنامجها المرحلي، وإذا كان ميثاق تأسيسها لن يعترف بغير فلسطين المُحررة من رأس الناقورة شمالاً إلى رفح جنوباً، فالأرجح أن الموقف العالمي منها باق على حاله. والحق أن عدم مساس الحركة بميثاقها مفهوم، ذلك أن أساس مبرر قيامها، ثم استمرارها، منهج عقائدي، وليس مجرد برنامج سياسي لمرحلة محددة. لماذا، إذنْ، كل هذا الضجيج السابق لإعلان تعديل لن يغير شيئا من جوهر علاقة «حماس» بالحل السياسي للقضية الفلسطينية؟
لعل الهدف هو إجراء تمرين علاقات عامة، في أمل فتح أبواب موصدة مع عواصم دولية ومن ثم عربية، وربما، حتى لا تستأثر حركة «فتح» بحرية الحركة على الساحتين العربية والدولية. لكن الأرجح أن التجربة لن تنجح. ليس لأنني ضد نجاحها، كلا، بل لأن تعديل مواقف عواصم القرار الدولي من الحركات المسلحة عموماً، وليس «حماس» وحدها، ليس ممكناً بمجرد إدخال الحركة المعنية تعديلاً ما على برنامجها السياسي. معروف للجميع كم حاول الزعيم الراحل ياسر عرفات تجنّب تعديل ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، لكنه في النهاية وافق أمام ما رأى فيه مصلحة فلسطينية.

الواقع أن «حماس» ليست مضطرة لكل هذا الإرهاق، ما دامت غير مستعدة لولوج العملية السياسية بكامل شروطها. من حق «حماس» وغيرها أن يكون لديها الميثاق المتناسب مع منهجها. لكن، في المقابل، تبالغ قيادة أي حركة مسلحة إذا اعتقدت أن تعديل برنامجها بلا أي مساس بجوهر ميثاقها سوف يغيّر تعامل الآخرين معها. في السياق ذاته، أستحضر هنا ما كتبت قبل نحو أربعة عشر عاماً تحت عنوان («حماس»... إذا حكمت) - «الشرق الأوسط»، الثلاثاء 24 - 6 - 2003 - وخلاصته أن القيادات الفلسطينية، ومن ضمنها قيادات حركتي «حماس» و«الجهاد» ليس بوسعها مواجهة مثلث الضغط الأميركي - الأوروبي - الإسرائيلي، بلا تفكير استراتيجي ينسجم مع عالم ما بعد هجمات 2001 - 9 - 11. واضح أن مثل هذا التفكير بعيدٌ عما نُشر من بنود التعديل الحمساوي المرتقب. يبقى أنني إذ طالعت نبأ مؤتمر «حماس» الصحافي المتوقع في الدوحة، تذكرت صورة السيد خالد مشعل إذ يُترّب جبينه بتراب غزة (2012 - 12 - 7) في أول عودة للوطن بعد أربعين عاماً. مشهد مؤثر. تساءلت حينها، وأعيد التساؤل الآن، لماذا لم يبق ويواصل الصمود مع أهل القطاع المحاصر؟ مجرد تساؤل، بلا أي تقليل من شأن الرجل ودوره.
ثم، مع كامل الاحترام والتقدير لأهل قطر ومواقفها، هل من الضروري أن تعلن «حماس» جديدها السياسي من الدوحة وليس غزة، أو رام الله؟. .