محمد خلفان الصوافي

هناك أكثر من شيء في الجريمة الإرهابية التي حدثت مؤخراً أمام البرلمان البريطاني، وقام بها مواطن بريطاني اعتنق الإسلام وغيّر اسمه إلى خالد مسعود، هذه الأشياء «لمحت» إليها تصريحات المسؤولين البريطانيين وبعض تحليلات المراقبين، وهي تحمل دلالات مهمة يجب قراءتها جيداً واستيعابها، لأنها تتعلق بمستقبل الحرب ضد الإرهاب في العالم عموماً، وليس في بريطانيا فقط، أبرزها «المتعاطفون» مع الإرهاب، وكذلك مسألة تشفير الرسائل.

الواضح أن الأجهزة الأمنية والمراقبين في العالم لا يزالون يحصرون جهدهم في كل عملية إرهابية على معرفة الجهة التي ستتبنى العملية، والتي غالباً ما تكون تنظيم «داعش» في الوقت الحالي، مثلما حدث في هذه الجريمة وحتى جريمة بطرسبرج، وقبل ذلك كان تنظيم «القاعدة»، مع العلم أنه قد لا يكون لهذين التنظيمين دور في العملية، لكن لأهداف الانتشار الإعلامي وتأكيد الحضور في لحظة «الاحتضار»، يكون للأمر أهمية بالنسبة لمثل هذه التنظيمات، وبالتالي لا يضيرها أن تتبنى العملية الإرهابية خاصة إذا كانت في دولة مثل بريطانيا ومكان مثل البرلمان البريطاني.

كما يحصرون جهدهم أيضاً، في الرغبة في معرفة ما إذا كان لهذا الإرهابي شركاء عاونوه في هجومه، لهذا كان اهتمام المسؤولين البريطانيين بالاجتماع بمسؤولي الشركات التي تدير مواقع وبرامج وسائل التواصل الاجتماعي، على اعتبار أن خالد مسعود كان قد بعث برسالة قبل دقيقتين من العملية الإرهابية على «الواتساب»، لم يستطع الأمن البريطاني فك شفرتها، افتراضاً منهم أن فكها كان سيمنع ارتكاب الجريمة أو تقليل حجم خسائرها أو الوصول إلى شركائه.

ورغم أهمية الأمرين السابقين، فإن المسألة الأساسية التي ينبغي الانتباه لها في العمليات الإرهابية التي تحدث خلال الفترة الأخيرة، أنها تتم بشكل فردي أو ما يعرف بـ«الذئاب المنفردة»، وهم أفراد يتعاطفون مع الإرهابيين، والدليل خالد مسعود نفسه، حيث لم يصنفه الأمن البريطاني بأنه إرهابي خطير، ولكنه كان مراقباً على فترات متباعدة من الأمن البريطاني، كونه لا يمثل تهديداً مباشراً على المجتمع، لكن يبدو أنه في لحظة معينة يضعف هذا المتعاطف أو يتم استغلاله من الإرهابيين، ويتم إقناعه بالقيام بعملية إجرامية، لهذا فإن تركيز الأجهزة الأمنية ينبغي أن يكون حول كيفية السيطرة على المتعاطفين مع الإرهاب لأنهم أصبحوا «وقوداً» للعمليات الإرهابية في العالم، وباتوا يشكلون تهديداً أخطر من الإرهابيين المعروفين.

أما عن عجز الأجهزة الأمنية عن فك «شفرة» الرسالة التي بعثها الإرهابي إلى جهة ما يعتقد أنها ربما تكون الجماعة التي ينتمي لها، فالجديد فيها هو دخول أشهر برنامج لتداول الرسائل في العالم، وهو برنامج «الواتساب»، في مجال خدمة الإرهاب، على اعتبار أن «تويتر» والفيسبوك واليوتيوب وسائل معروفة، والميزة التي يوفرها الواتساب هي السرية. وقد أثار هذا الموضوع في ذاكرة المراقبين تلك الحرب بين شركة «بلاك بيري» الكندية وبين عدد من دول العالم حول أهمية السماح أن يكون للأجهزة الأمنية القدرة على فك شفرة التلفون أو منعه، وبالتالي فإن رسالة «الواتساب» ليست بعيدة عن أجواء أهمية التعاون بين هذه الشركات والأجهزة الأمنية، بل تؤكد أهمية عدم سكوت الحكومات على تمادي هذه الشركات تحت أي بند، مثل الحرية الشخصية أو التجارة، لأنها ستمثل «كهوفاً إلكترونية» للإرهابين.

ما يمكن استنتاجه هو أن أغلب العمليات الإرهابية التي تمت، مؤخراً، في أوروبا يقوم بها أشخاص لا يحملون عقيدة إرهابية بالمعنى التقليدي وليسوا إرهابيين بالمعنى التقليدي أو لا يحملون فكراً متطرفاً معروفاً، بقدر أنهم يتعاطفون مع فكر معين جاء نتيجة لموقف معين، إلا أنهم يمثلون خطراً كبيراً على استقرار المجتمعات، كونهم لا يظهرون ميولهم الحقيقية تجاه الإرهابيين بشكل واضح، كما أنهم لا يتحركون وفق منظمات أو تجمعات بحيث يمكن مراقبتهم من طرف الأجهزة المختصة، وهنا تكمن الصعوبة في السيطرة عليهم أو منعهم من ارتكاب جرائمهم، خاصة أنهم باتوا يستخدمون أدوات غير تقليدية وأكثر بشاعة في ارتكاب جرائمهم، مثل عمليات «دهس» تجمعات للمدنيين أو استخدام السلاح الأبيض في قتل رجال الأمن في الأماكن العامة.

وفي ظل هذه الصورة، لا مفر من الاعتراف بأن الجانب الأكثر صعوبة في الحرب ضد التطرف والإرهاب هو الجانب «الناعم» أو الفكري، خاصة ضد المتطرفين، وأن التركيز على الإرهابيين المعروفين والتنظيمات المتطرفة يحول دون قدرتها على العمل على «غسل أدمغة» الناس العاديين، وإلا فمعنى هذا السماح بوجود ثغرة في أي مجهود يبذل ضد الإرهاب، فـ«الفكر» هو المعركة الأولى ضد الإرهاب!