عبدالله بن بخيت

أصبح داعش من الماضي. اختفى الشعار العظيم «باقية وتتمدد». ما هو الدرس الذي خرجنا به من تجربة هذا التنظيم؟ نفس السؤال طرحناه بعد نهاية الحرب الأفغانية. كل من حاول الإجابة على السؤال الأفغاني ظن أن التجربة المريرة كانت درساً يجب أن يعيدنا إلى التاريخ. أن نترك صراع الدونكيشتيه وندخل العصر. ما جرى هو العكس. ظهر لنا تنظيم قرر أن يبتعد بنا عن الحضارة وعن أبسط المشاعر الإنسانية والأخلاقية.

لكن في النهاية ليس أمامنا إلا الرجاء. أرجو أن يكون داعش عنق الزجاجة. ذلك المضيق الذي إذا عبرته تكون خرجت من الظلام. الخروج من الحنق والمرارات والإحساس الدائم بالفشل وتحميل الآخرين مسؤولية ما يجري لك. معظم الشعوب الإسلامية تعيش هذا المأزق. لا علاقة لهذه الشعوب بالإنتاج ولا علاقة لها بالاكتشافات ولا علاقة لها بالإسهام في بناء القوانين العالمية أو أي شكل من أشكال الحضارة.

سمح داعش بطرح الأسئلة. أسئلة ما كان أحد سيجرؤ على طرحها من قبل، دفعت بعض الباحثين الشجعان إلى فتح ملفات من الماضي، زرعت في وجدان العامة مقدسة. أسماء وأحداث وفرق. دموية داعش أحدثت ثقباً على المسلمات التي أُدخلت على الدين وعلى القيم. صار الإنسان يبحث عن الحقيقة وإذا لم يبحث عنها وصلته مرغماً. كنا نعيش على رأي واحد وتجربة واحدة وأخلاق واحدة حتى وصلنا أخيراً وليس آخراً إلى داعش. داعش سؤال كبير، هز العقل والوجدان. جرائم عبدالله عزام وبن لادن والظواهري وعمر عبدالرحمن لم تكن كافية. فقرر فشلنا أن يعطينا درساً أكبر وأعظم ويغوص في الوحل الأخلاقي.

أياً كان مصدر داعش ومن يمولها ومن يسهل لها الأمور تبقى جزءا من تاريخ المنطقة القديم والحديث. هي غضبنا الطفولي على التاريخ والحضارة. نشاهد كيف يعيش الياباني والسويدي والكندي ونشاهد في نفس الوقت كيف يعيش الأفغاني والصومالي. لا شيء هنا وكل شيء هناك. صحة وعافية وعقل واستقرار تقابلها أمراض وبؤس وخرافة وقتل مجاني. هذه هي داعش. داعش ليس منظمة، داعش تعبير، مخرج ثقافي، صرخة ألم يتوجب أن نقرأها كما نقرأ قصائد الشعر الكبرى كالملاحم. أكذوبة ضخمة ملأت الوجدان والعقل. كل قصيدة شعر هي تعبير عن قائلها وعن المجتمع الذي ينتمي إليه شاعرها. داعش قصيدة المأساة التي يعيشها ملايين المسلمين في أنحاء المعمورة.