حامد الحمود

لاحظت أنه في دولة خليجية، ان كتاب الرأي في الصحف المحلية قلما يكتبون عن شأن سياسي داخلي، فمعظمهم، مواطنين كانوا أم عربا آخرين، يكتبون أو يبدون الرأي في شؤون سياسية عالمية وعربية مع غياب للشأن السياسي المحلي. وبالطبع يرجع ذلك إلى اختلاف تطور الدولتين السياسي، الذي أعطى دوراً سياسياً كبيراً للمواطن في الكويت.

وهذا الدور كان واضحاً حتى قبل ازدهار الدولتين سياسياً واقتصادياً. فقد لعبت الطبقة التجارية في الكويت في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، متأثرة بديموقراطية الهند وانفتاح العراق ومصر، بإقناع العائلة الحاكمة بأن الاستقرار يكون أكثر ثباتاً عندما تكون هناك مشاركة للشعب في الشأن السياسي. ولكونها كانت تدفع ضرائب للدولة، كان رأيها مسموعاً. وقد تأسس هذا الدور قانونياً من خلال الدستور الكويتي الذي قدم إلى أمير الكويت المغفور له الشيخ عبد الله السالم للمصادقة عليه في 11 نوفمبر 1962 من قبل أعضاء المجلس التأسيسي.
وكون هذا الدستور أعطى حق التشريع لمجلس نيابي منتخب كل أربع سنوات، زرع ذلك بذرة لدور سياسي للشعب ليس لإبداء الرأي، وإنما لأن يبدي رأيه في كل شأن اقتصادي أو سياسي يهم الكويت وعلاقتها بالغير، هذا مما ولّد درجة عالية من الحرية والممارسة السياسية في شؤون الحكم، وخلق صحافة حرة مميزة عن تلك في دول الجوار. لكن ونحن نقارن ما بين الكويت والدولة الخليجية في موضوع غياب أو حضور الشأن المحلي في صحافة البلدين، يرى البعض أن الحرية التي كسبها الكويتيون كانت على حساب التنمية. فهذه الدولة ومع غياب مجلس نيابي منتخب، وغياب الشأن السياسي المحلي، استطاعت أن تحقق ازدهارا في الاقتصاد وبلغت مكانة دولية يستشهد بها. هل هذا يعني أن الممارسة الديموقراطية في الكويت كانت عائقة أمام ازدهارها؟ بالطبع يود الكثير أن يكون الجواب بنعم. لكن الموضوع أكبر من ذلك. أفضل أن يكون الجواب أن تاريخ الدولتين مختلف، وتاريخ العمل السياسي مختلف كذلك. وأميل إلى التصريح بأن الوعي السياسي في الكويت أكثر عمقا. كما أن العامل الجغرافي يحتم على الكويت الممارسة السياسية النشطة من قبل الشعب. وهي ومع سلبياتها، تبقى عامل استقرار للكويت.
هناك طبعا مشكلة في ممارسة العمل السياسي الديموقراطي، وهي أن نتائج الممارسة الديموقراطية ليست واحدة، وإنما تثمر بقدر ما يحمل الشعب الممارس من وعي وثقافة. ويبدو أن الوعي في الكويت قد تجمد أو تراجع. فنحن الذين لا يزيد عددنا على المليون إلا قليلا، تشعبت ولاءاتنا في العقود الأخيرة إلى ولاءات طائفية وعائلية وقبلية. لقد انحدر مستوى الحوار، وأصبح الحماس لآراء «محلية» أكثر أهمية من الحديث عن محاربة الفساد أو تطوير التعليم! الاختلاف في الممارسة الديموقراطية ضرورة، ومن خلاله تتكشف الحقائق. والحقيقة لا يملكها أحد، وإنما الجميع يحاول أن يقترب منها. لكن يحصل هذا عندما يكون الحوار واعيا، وليس متخندقا بمحلية «حضرية» أو «قبلية» أو «طائفية».
لنأخذ مثلاً هذه الضجة السياسية التي ولدها اقتراح مجموعة من النواب حول أن يكون سحب الجنسية من خلال القضاء، الذي اعتبره البعض دعوة إلى تغيير البنية المجتمعية للكويت. وحقيقة، لا أعرف كيف يكون تدخل القضاء في موضوع سحب الجنسية عاملا لمثل هذا التغيير. هناك مئات من الكويتيين تضرروا بفقدان وظائفهم وضياع مستقبلهم بسحب جنسيات أفراد محدودين. لذا كانت خطوة سمو الأمير – حفظه الله ورعاه – بأن يراجع هذا القرار من خلال إنابة رئيس مجلس الأمة ورئيس مجلس الوزراء للبحث فيه، كانت خطوة كريمة وحكيمة.
وأخيرا أود أن أذكر أن عدد الكويتيين خلال الأعوام 1952، 1963، 1975، 1980 كان: 113622، 220057، 472088، 565613 على التوالي. ومن الواضح أن هذه الزيادة كان معظمها ناتجة من التجنيس. وهذا أمر طبيعي في بلد شهد طلبا على المواطنة والعمالة نتيجة لطفرة من اقتصاد الكفاف إلى قمة الازدهار الاقتصادي. فأصبحت الكويت مثل الواحة التي غمرت مياهها ما حولها. فكان هناك توطين لأبناء القبائل، فاغتنوا وأغنوا المجتمع الكويتي. فهكذا تتكون الدول وتنمو الأوطان.
ولكي تزدهر الديموقراطية في الكويت، ولكي تكون أولوياتنا محاربة الفساد وتطوير التعليم، ولكي نرتقي بمستوى الحوار، ونستقر على رؤية لمستقبلنا، علينا أن نقبل الحوار ونرتقي به، ومثلما رأى الفيلسوف النمساوي كارل بوبر صاحب كتاب «المجتمع المفتوح» بأنه لنكون ديموقراطيين علينا أن نعترف بأخطائنا وبصواب معارضينا.