محمد علي فرحات

الحقيقة المتفق عليها أن مئات القتلى والمصابين بهجوم كيماوي، انضموا إلى غيرهم في سورية حيث يتبارى اللاعبون في تبادل التهم وتتواصل الجريمة في معزل عن هوية المجرم.

من يستطيع التنصُّل وغسل اليدين؟ النظام الذي يتذرّع بشرعية واهمة بعدما أغلق النوافذ وجعل من سورية سجناً للاختناق لا للتفاعل عبر حرية يستحقها شعب مشهود له بالعمل والإبداع، أم المعارضة التي تعطيه الشرعية مجاناً حين تحترف الكتابة واضعة النص في مرتبة أعلى من الإنسان، أو حين تتسلح تحت شعار إسلامي لتفرض الهجرة خارج المكان وتخلط الوطن بعولمة يوتوبية يسكنها بشر متشابهون على أرض بلا هواء، أي بلا زمن؟

مأساة خان شيخون ليست الأولى، فقد سبقها قصف بالكيماوي عام 2013 في غوطة دمشق الشرقية وفي خان العسل قرب حلب، ولم يكتمل التحقيق في الجريمتين لكنهما كانتا سبباً لنزع الأسلحة الكيماوية التي يملكها النظام، في رعاية دولية جعلت الرئيس الأميركي باراك أوباما يعدل عن توجيه ضربة قاصمة للنظام تؤدي إلى تغييره. وأرجع المراقبون التنصُّل الأميركي إلى نهج أوباما في عدم التدخُّل العسكري وإلى رغبة موسكو في حفظ النظام السوري تمهيداً لانخراطها لاحقاً في الصراع العسكري على سورية.

واستُخدم الكيماوي عام 2014 في ضربات على قرى في منطقة إدلب في 11 نيسان (أبريل)، وعلى بلدة مارع في منطقة حلب في 18 منه. هذه المرة حققت الأمم المتحدة وأصدرت تقريراً في العام 2016 متضمّناً اتهاماً للحكومة السورية وآخر لـ «داعش»، لكن مجلس الأمن لم يستند إلى التقرير ولم يُصدر قراراً في شأن الضربات المذكورة.

هل يتكرر التسويف بعد مأساة خان شيخون؟

فور حصول الضربات، ضج العالم بصور الضحايا ووُجِّهت التهم فوراً من هذا الفريق أو ذاك كلٌّ باتجاه أعدائه، وتميّز الكلام بالعاطفية والتسرُّع عدا روسيا والمعارضة، إذ حاول كل منهما تحليل الواقعة موضوعياً، فخلصت موسكو إلى أن الطيران السوري ألقى قذائف على مخزن سلاح للمعارضة يحوي مواد كيماوية وخلصت المعارضة إلى استحالة التهمة الروسية لأسباب تتصل بطبيعة التفجيرات، على الأقل. والآن نحن أمام مجلس أمن دولي يطلع على وجهتي النظر وقد يطلب تحقيقاً يحتاج سنتين على الأقل فينأى بنفسه عن فيتو روسي جاءت مقدماته في بيان وزارة الدفاع من موسكو.

جريمة تنضم إلى جرائم، ومزيد من التراجع في تأثير النظام والمعارضات. إنه مبضع الجراح في الجسد السوري، أو هو مسطرة المهندس أو فأرة الكومبيوتر الخاص به، في هندسة المشرق العربي الجديد، بدءاً من سورية، بالدم والدمار لا بالمفاوضات، وبعيداً من الانتخابات أو الاستفتاءات.

وأبعد من هندسة المشرق هناك الصراع الأوروبي- الروسي الذي يجد في موت السوريين وخرابهم ملعباً للشد والجذب، وإلا كيف نفسّر المسارعة إلى اتهام الطيران الروسي بإلقاء قنابل كيماوية على خان شيخون؟ تبدو الولايات المتحدة أكثر رأفة بروسيا من بلدان أوروبية تستعيد هزيمة نابليون بونابرت على يد الجنرال ثلج الروسي. التاريخ يعيد نفسه في شكل مأساة، لسورية التي هي ملعب الموت، ولروسيا وأوروبا اللتين فقدتا عظمة القرون الماضية وصارتا منطقة وسطاً بين الماردين الأميركي والصيني.

والعزاء بضحايا خان شيخون تستحقه سورية لا الوكلاء فيها، نظاماً ومعارضة.