غسان الإمام 

 بشار الأسد أنت طبيب. لكنك مدان بالتعامل بغير إنسانية الطبيب مع شعبك. فقد قصفتَ مستشفى الطبيب علي درويش، في ضواحي حماة، ببرميلين جويين متفجرين يحويان غازاً كيماوياً ساماً يوم 25 مارس (آذار) الماضي.
الطبيب درويش لم يهرب. ظل في المستشفى لإنقاذ مرضاه. فمات مع 18 مريضاً وممرضاً، مختنقين بالغاز الذي مزق رئاتهم. منذ بداية الانتفاضة، أخضعتَ، يا بشار، 14 ألف سوري لهجمات بغازاتك السامة. فقتلتَ 1400 إنسان منهم.


بعد مقتل الدكتور درويش بعشرة أيام، قصفتَ يوم الثلاثاء الفائت، بالبراميل المتفجرة أهالي بلدة خان شيخون الذين هجَّرتهم بالقوة الغاشمة، من قراهم المحاصرة إلى محافظة إدلب، فقتلتَ نحو مائة إنسان. وجرحتَ المئات بغاز الأعصاب السام. ثم قصفت قواتك بالمدفعية العيادات الطبية التي تؤوي المصابين.
الشبهة ضدك، يا بشار، بدأت منذ عام 2012. فقد هددتَ بإشعال بلدك والمنطقة، إذا ما أصر شعبك على ترحيلك. لم يكن في ظن إنسان عاقل أنك ستستخدم الكيماويات السامة.
على الرغم من الفيتو الروسي- الصيني الحامي لك ولنظامك، فقد تمكن مجلس الأمن من إدانتك بثلاثة قرارات. مع ذلك، استغلت قواتك انعدام القوة الدولية للتنفيذ، فقصفت غوطة دمشق الشرقية. فقتلت 1300 قروي سوري مع أطفالهم ونسائهم والشيوخ غير القادرين على الهرب بسرعة.
بعد قرارات الإدانة، تجرأتَ، يا بشار، فرحتَ تحشو براميلك المتفجرة بالأسلحة الكيماوية. فأدانك مجلس الأمن مرة أخرى باستخدام غاز الكلورين، في قصف بلدة سرمين. إحدى قنابلك، يا بشار، أصابت الطابق الأرضي لآل طالب، فاختنقت الأسرة بكاملها، بما فيها أطفال بعدد أبنائك الثلاثة.
أنت، يا بشار، كطبيب تعرف ما لا يعرفه ضحاياك. تعرف أن غازاتك السامة أثقل من الهواء. فتترسب في الأمكنة المنخفضة تحت الأرض. هكذا هم ضحاياك. وضحايا روسيا وإيران الصامتين عن جرائمك، بلا وخز من ضمير أو وجدان.
لم تعد جرائمك، يا بشار، أنت وأعوانك من أطباء. وكيماويين. وقادة مخابراتك وجيشك، خفية عن التسجيل والمعرفة. فقد تم توثيق دولي لـ400 قصف بالمتفجرات والغاز لـ400 مستشفى وعيادة في سوريا، منذ اندلاع الانتفاضة المطالبة برحيلك (2011).
بعد قصفكَ مستشفى الراحل الدكتور درويش، قصفتَ، يا بشار، ببراميل الكلورين وغيره من الغازات والسوائل السامة، مناطق عدة في محافظة حماة. وتركتَ بصمات جرائمك على وجوه ضحاياك الذين تعذبوا بالموت، بالاختناق. والصداع. وتشنج الأعصاب. ومراجعة الطعام الذي تناولوه.
نحن نعلم، يا بشار، أنك طوَّرتَ غازاتك، لتجعلها أكثر سمَّية وسرعة، في إبادة الإنسان. فمزجتَ كيماويات فسفورية بغاز الكلورين. فصار ضحاياك الغائبون عن الوعي، يلفظون الزبد مع الدم من أفواههم.
أطباؤنا، أيها القاتل، يعانون من الحيرة معك: هل يفرون نجاة بحياتهم. أم يبقون مع مرضاهم غير القادرين على الهرب، ليموتوا في صمت معهم؟! هؤلاء هم أبطال شجعان مع ممرضيهم الباقين معهم. هم أشجع منك.
من حروبك، وثَّقنا جرائمك. لدينا نماذج من المياه. والثياب. والجلد الإنساني. والصور. وشهادات الموتى بغازك. والمعذبين في سجونك. والمعلومات عن أعوانك وضباطك. والمرتزقة من «أسياد حزب الله». وقادة ميليشيات «الحشد الشيعي» من العراق وأفغانستان. وضباط قاسم سليماني الذين يرتكبون المذابح البشرية في سوريا، باسم خامنئي. وفريدون روحاني. وقادة النظام الديني في إيران.
هذا الكلام كله ليس من عندي. إنه ترجمة لأقوال طبيب سوري ذي ضمير. إنه الطبيب أحمد طرقجي جراح القلب الذي يترأس «الجمعية الطبية السورية - الأميركية».
لكن بأي فلسفة تعامل العرب والعالم مع بشار الكيماوي، بعد قصفه لخان شيخون؟ كانت الإدانة شاملة. مع تطلع الجميع إلى أميركا ترمب للعب دور الشرطي في «تأديب» بشار. ولم يكن أحد يتوقع أن يوجه ترمب ضربة عسكرية لبشار. كان ترمب ضد تقديم حقوق الإنسان والديمقراطية على مصالح أميركا في التعامل مع أنظمة غير ديمقراطية.
التناقض العالمي يبدو صريحاً. العرب والعالم يتهمون سياسة أميركا بالسذاجة والانحياز، ثم يتطلعون إليها للعودة إلى القيام بدور الشرطي الرادع لروسيا. وإيران. بل وحتى لإسرائيل. وكوريا الشمالية. ها هي أميركا ترمب قد مارست دور الشرطي الرادع لبشار. فازداد خطر الصدام مع روسيا في سوريا. أعلن بوتين عن إلغاء أي تنسيق مع أميركا وربما مع إسرائيل، لتجنب الصدام الجوي. وقال إن صداماً جوياً كاد يحدث مع أميركا خلال عملية قصف قاعدة الشعيرات الجوية القريبة من حمص.
لكن إذا كانت روسيا قادرة على قنص الطائرات الأميركية والإسرائيلية، فماذا ستفعل بأميركا التي استخدمت الصواريخ لا الطائرات في قصف بشار؟ هل تملك روسيا سلاحاً قادراً على اعتراض الصواريخ الأميركية قبل الوصول إلى الأهداف السورية؟ من المشكوك فيه أن تمتلك روسيا دفاعاً سرياً ضد الصواريخ. والدليل أنها لم تعترض الضربة الصاروخية الأميركية. بعدما أبلغها ترمب بذلك قبل دقائق أو ساعات قليلة من انطلاق الصواريخ إلى أهدافها.
كان بشار ساذجاً عندما اعتقد أن دلال الغرب وروسيا وإيران له كاف للتسامح معه. فعاد إلى استخدام الكيماوي في محافظة إدلب. السؤال الآن موجه لأميركا وروسيا، حول ما إذا كانت الفلسفة الأخلاقية الرادعة لبشار، لقصفه المدنيين، توفر أيضاً الحماية للمدنيين الذين يتم قصفهم بلا رحمة في المناطق «الداعشية»؟
هذا عن أميركا، لكن ماذا عن روسيا؟ التعامل الروسي مع أوكرانيا. وسوريا. وجورجيا، أثبت أن روسيا غير صالحة لأداء دور الشرطي الأوروبي. فليس في تاريخها تقاليد تحترم الديمقراطية. وحقوق الإنسان. وحق تقرير المصير للدول التي هيمنت وتهيمن عليها. من هنا ينطلق تسامحها مع بشار الكيماوي الذي خدعها بالادعاء أنه تخلص من كيماوياته. فها هي تسارع إلى مجلس الأمن للدفاع عنه، وللتغطية على فضائحه الكيماوية، بالادعاء أن أميركا انتهكت «سيادة» الدولة السورية «المستقلة»!
لا ضرورة للحديث عن التزام إيران بالفلسفة الأخلاقية الدولية. فهي تدعي أنها دولة دينية إسلامية، فيما يذبح جيشها ومرتزقتها السوريين المسلمين بلا رحمة. ألغت تناقضات السياسة فلسفة الأخلاق. كنت أتلقى في الصحف والمجلات التي عملت فيها بأوروبا بيانات من أعلى المراجع الدينية في إيران تكفر الطائفة العلوية التي تحمي إيران نظامها السوري حالياً بالسلاح والمال، نكاية بالعرب!.