محمد خروب

ليس القصد.. العودة الى الوراء ثلاثة وأربعون عاما (1974) عندما صدر عن منظمة التحرير الفلسطينية ما عُرِفَ وقتذاك بـِ»برنامج النقاط العشر», والذي تزامن صدوره مع انتهاء حرب اكتوبر 73 وبدء مسلسل التنازلات العربية التي قيل في وصفها: انها جاءت بعد «أول» حرب ينتصر فيها العرب على الجيش الذي لا يقهر، فاذا به انتصار اشبه بالهزيمة ان لم تكن الهزيمة نفسها، حيث لا يمكن استيعاب اي ربط «منطقي» بين انتصار «تحقّق» أعقبته تنازلات غير مسبوقة, تُرجِمت اولا في اتفاقيات الفصل الاول والثانية في سيناء والجولان المحتل ومؤتمر جنيف, الى ان انتهت كارثيا بزيارة السادات للقدس وبروز اتفاقيات كامب ديفيد و»المعاهدة» بين القاهرة وتل ابيب كترجمة حرفية لما قاله «بطل الحرب والسلام», بأن حرب اكتوبر هي «آخر الحروب», وكان كلامه,حتى الآن... صحيحاً من اسف.

ما نحن في صدده, يدور حول البيان عالي النبرة في المضمون والرسائل واللغة, الذي صدر عن «قيادة غرفة العمليات المشتركة» التي تضم روسيا وايران وحزب الله والقوات الرديفة, تضَمَّن «عشر نقاط»، رأى الموقعون عليه, ان ما قامت به واشنطن هو «عدوان على سوريا وتجاوز للخطوط الحمراء، ومن الآن وصاعداً... سنرد بقوة على عدوان وأي تجاوز للخطوط الحمراء من قِبل أي كان, وأميركا تعلم قدراتنا على الرد... جيداً».

معركة الخطوط الحمراء التي نحن امامها، ليست مجرد كلمات «عابرة» على الطريقة «العربية», التي تُكثر وتذهب بعيدا في استخدام مفردات تبدو في ظاهرها مُتحدِّية وحازمة,لكنها كالعادة تستبطن تهادُنا وتوسلا تحفظ لنفسها خط التراجع والانبطاح، على النحو الذي نشاهده في مسيرة الهزائم المتواصلة,على اكثر من جبهة عربية.

وإذ يعلم الموقعون على بيان النقاط العشر, ان الجدل ما يزال مستمرا حول تداعيات وأكلاف العدوان الاميركي الذي بدأت عواصم اقليمية ودولية عديدة, تُدرك خواءَه ومحدودية تأثيراته السياسية والميدانية والاحتمالات المفتوحة لانزلاق المنطقة الى «حروب» متدحرجة, قد تكون أسوأ بكثير مما هي عليه الآن, رغم ترحيب بعض العرب بهذه الضربة وخصوصاً اسرائيل, المُنتشِية الى ابعد الحدود بـ»تحوّل» أميركي كهذا, الى درجة دفعت ببعض المستشرقين الاسرائيليين وأحدهم ايال زيسر في صحيفة اسرائيل اليوم اليمينية, التي أسَّسها ملياردير نوادي القماراليهودي الاميركي شلدون ادلسون, الداعم «المالي» والإعلامي الأبرز لدونالد ترامب, الى القول في مقالة له الأحد الماضي: «..بعد القصف الاميركي, اصبح واضحا للجميع وبما في ذلك بشار الاسد نفسه، ان مصيره ليس في يديه، والاكثر أهمية – يواصل هذا المستشرق الواهِم – هو ان الامر ليس في يد بوتين، فترامب هو الذي لديه المفاتيح، وهو يستطيع الإستمرار في قصف سوريا, وقد يُحدِث انعطافة في الحرب. الى ان يختِم: يوجد في البلدة شريف (أي حاكم) جديد, وبعض الزعماء العرب وبعض السكان العرب، لا يُخفون رضاهم عن ذلك».

فهل ثمة حكمة او بُعد نظر في اقوال هذا الصهيوني المنخرط بحماسة في حملة التضليل الإعلامية الشرسة, التي يشنها «تحالف اميركا» ضد سوريا وروسيا؟.

واضح ان المقالة (كما غيرها من المقالات التي حفلت بها الصحف الاسرائيلية في اعدادها ليوم الاحد 9/4، بما هو اليوم الاول الذي صدرت فيه بعد ضربة ترامب),استندت الى معطيات الاخبار «العاجلة» والبيانات الاميركية التي انكشفت مضامينها الفارغة وانعدام صدقيتها, بعد ان عادت قاعدة الشعيرات(المضروبة اميركياً) الى نشاطها, وإن بدرجة اقل من المُعتاد، فيما كانت موسكو ودمشق وطهران والقوى الرديفة, منخرطة جديَّاً في ورشة «عصف» فكري واستراتيجي وجيوسياسي,يسعى الى لجم الاندفاعة الاميركية ووضع خطوط حمراء,لهذه الحماقة التي اقدم عليها ترامب, الذي ما يزال تحت وهم افكاره الساذجة والمُبسَّطة بان عالمَاً مُعقَّداً كالعالم المُثقل بالمشكلات والصراعات الذي نعيش فيه, يمكن ان يُدار بعقلية تاجر العقارات وأساليب»الصفقات» التي يعقدها خلف الأبواب المُغلقة وعبر مكاتب المحامين المُحترِفين.

ليس مجانياً او مجرد بلاغة لغوية, لجأ اليها المُوقِّعون على بيان النقاط العشر عندما يقولون للمعنيين بالملف السوري واولهم واشنطن: «ان روسيا وايران لن تسمحا لأميركا ان تُهيمن على العالم، وتفرض نظام القطب الواحد،عبر استمرار العدوان المباشر ضد سوريا,وعبر خرق القوانين الدولية والعمل خارج اطار الامم المتحدة، وستقفان في وجه اميركا بكل قوة...ولو بلغَ ما بلَغ». عبارة مُكثّفة تقرأ في القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة،والصراع المحتدم على بلورة نظام دولي جديد، يطوي الفترة السوداء التي هيّمنت فيه الولايات المتحدة على القرار الدولي بعد انتهاء الحرب الباردة, وتؤسس الى مواجَهة مُختلِفة, ظن الأميركيون ومن يحالفهم ويساندهم, انهم قادرون على «برمجتها» كما هي رغبتهم وانانيتهم، دون اهتمام بمصالح الآخرين, مواصلة ازدراء اسرة الشعوب التي لا تصطف بالضرورة, الى جانب الوحشية الاميركية ومشروعها النيوليبرالي الجديد.

الاتصال الهاتفي بين الرئيسين الروسي والايراني, وادانتهما للضربة الاميركية ودعوتهما الى اجراء تحقيق دولي نزيه وموضوعي,يُؤشِّر إلى طبيعة «الحلف» الآخذ بالتجذّر بين موسكو وطهران في دعمهما لدمشق، وخصوصا ما جاء في بيان النقاط العشر من تعهُّد بالعمل على «تحرير كل الاراضي السورية, من اي احتلال.. مهما كان».

الازمة السورية دخلت منعطفا جديدا وخطيرا, نحسب ان واشنطن ستكون اكثر حذرا من تكرار حماقة السابع من نيسان, التي ظنّت انها ستكون بلا تداعيات.وهو ما سيسمعه وزير الخارجية الأميركية تيلرسون,الذي يهبط «اليوم» في موسكو, عندما يلتقي نظيره لافروف (لن يستقبله بوتين، وفي ذلك اشارة مثقلة بالغضب) والأيام القريبة ستخبرنا بالمزيد..