عقل العويط 

13 نيسان 2017. في مثل هذا اليوم اندلعت الحرب يا سمير.

لن أقول إن التاريخ يتزامن مع عودتكَ الأخيرة إلى إهدن.

بل سأكتفي بالعهود التي بيننا. وسأختصرها بعبارة "لن أخذلكَ".

كُثُرٌ مثلي سيختصرون القول بالعبارة نفسها.

لذا يمكنني الآن أن أُعِدَّ لكَ القهوة على طريقة أهل الغيوم.

أنا بأسلوبي الشعري، وأنتَ بجلوسكَ الأنيق.

لن أحمل إليكَ الجرائد، ولا أخبار التجّار واللصوص والقتلة.

لن أستدرجكَ إلى الكلام في السياسة، لأنّكَ ربّما ضجرتَ من أهلها.

ستُلقي عليَّ التحية المعهودة: bonjour jeune home

ولن يفوتني شيءٌ من هدوئكَ الذكيّ، ولا من رغبتكَ في السؤال عن لوازم المائدة.

ستقول كلاماً هادئاً للغاية، وسيغمرني الاعتزاز لأنّكَ ستسألني عن الأمل، لا عن سارقي الهيكل اللبناني.

وحين يجرفكَ انتشاء العقل، لن تتوانى عن اختراع الأفكار.

ستقول لي إنّ البلاد تريد أن تشرب المزيد من الهواء.

وإنّها كي تولد باستمرار،

ينبغي لها أن تموت كلّ يوم، لتستيقظ كلّ يوم.

سأقول لكَ إنّنا نموت كثيراً، ونستيقظ كثيراً.

وإنّنا لو تدري كم نحلم ونخترع، من أجل أن لا يقتلنا الواقع، لكنّ اختراعاتنا وأحلامنا لا تكفّ عن اغتيالنا.

ستغمز أيّها الفتى الأريستوقراطيّ من قناتي، لأنّي لستُ قويّ الشكيمة مثلكَ، أو لأنّي قليل الحيلة ربّما.

وستبتسم لي بالطبع.

ستسألني - لتُغيِّر الحديث - عن الشعر والحديقة،

ثمّ لن تتأخر عن استرضائي بالسؤال عن الجروح، أو بالتنكيت على أهل المَزارع والقرى.

أنا من جهتي لن أتوانى عن هجاء الأرض والسماء، على عادتي في الفظاظة والكبرياء.

أنتَ ستستدرجني إلى المزيد، لأنّكَ تريد كلّ شيء.

وتريدني أن أصنع للأنفة بيتاً وسيعاً.

وتريدني أن أرفع له السقف عالياً كي نطال الذكاء والحرية.

وتريدني أن أظلّ أؤمن بأنّ الطريق يجب أن يبقى مفتوحاً أمام العابرين الجدد.

ستخرج على طوركَ قليلاً، عندما أُخبركَ بتفاصيل الفضيحة الجديدة. وبأبطالها.

في الفضيحة الجديدة، لم يبقَ أحدٌ خارج الفضيحة.

لن نضيّع البوصلة، إذا سرعان ما تقترح عليَّ أسلوباً في الكلام والكتابة، من شأنه أن يفرض على القمر شيئاً من الذهول والدهشة.

 

13 نيسان 2017.

أهو يوم الحرب أم يوم السلام؟

لا يؤلمني أنّ سيزيف حاضرٌ معنا في الفناجين وفي بخار القهوة.

لا يؤلمني أنّنا سنعيد الكرّة فنصعد إلى جبل اللعنة من جديدلننزل إلى هاوية اللعنة من جديد.

سأقول لكَ بقوّة أهل الأمل

لن أخذلكَ أيّها الرجل الجميل.

الخبز والزيتون كثيران إلى المائدة. ولن نجوع.

سأظلّ أُعِدّ لكَ القهوة على طريقتي في الإباء.

سأُعِدّ القهوة للجميع. وسأكون كريماً. ومتهوّراً في الكرم.

ولن نضجر.

ولن نيأس.

ولن نموت.

وإذا متنا، فسنستيقظ من أجل القادمين الجدد.

لأنّه لا بدّ من تحضير القهوة.

ولأنّه لا بدّ من الصباح.

ولن أخذلكَ يا سمير.

سأصنع لليل نجوماً وقمراً من أجلكَ

كي لا يبقى الليل وحيداً في إهدن وفي البلاد.

وسنكون كثيرين في انتظاركَ كلّ صباح.

من أجل أن تولد من جديد.

وسيكون علينا أن نصعد وأن نتساقط مراراً وتكراراً على طريقة سيزيف.

إلى أن تخطئ اللعنة طريقها

فيستيقظ لبنان معنا

لأنّه لا بدّ أن يشرب لبنان القهوة معنا.

لا بدّ يا سمير!