رياض نعسان أغا

للمرة الثامنة تعطل روسيا قرارات مجلس الأمن التي تسعى إلى وضع نهاية لعذابات السوريين، بل إنها هي التي عطلت القرار 2254 الذي صاغته بنفسها وقدمته إلى مجلس الأمن، حين وجدت أن المعارضة مصممة على انتقال سياسي حقيقي لا دور للأسد فيه. وهي تقول اليوم إنها تدعم الحل السياسي مع أن طائراتها لم تتوقف لحظة عن قصف المدنيين وعن تهديم المدن والقرى السورية وعن هدم مؤسسات الدولة التي تدعي الحرص عليها. وهي المسؤولة عن فشل اتفاقية وقف الأعمال العدائية التي أبرمتها مع الولايات المتحدة وقد اخترقها النظام نحو أربعة آلاف اختراق، وهي المسؤولة عن فشل لقاءات أستانة لأنها الضامن للنظام نظرياً، ولكنها أطلقت يده في تهجير المواطنين وفي متابعة قصفهم حتى بالكيماوي.

وروسيا التي أنقذت النظام بعد جريمته الكبرى في الغوطة، وأقنعت المجتمع الدولي بالاكتفاء بإلقاء القبض على الأسلحة الكيماوية مع إعفاء القاتل من أية مساءلة، بل مع السماح له بمتابعة القتل والتدمير، تعود إلى محاولة إنقاذه بعد مجزرة خان شيخون، وهي تنكر مسؤوليته مع أنها تعلم أن ما صيغ من تلفيق حول وجود مصنع أسلحة كيماوية فجرتها طائرات النظام يدعو إلى السخرية، فلا يوجد عاقل سيقتنع بأن أهل خان شيخون يخزنون غاز السارين في بيوتهم أو في غرف نومهم، أو يتركون أولادهم يلعبون بعبوات كيماوية قاتلة!

ولولا خوف روسيا من افتضاح حقيقة كذب النظام لما عطلت قرار مجلس الأمن بالتفتيش، مع أن الدول الكبرى رصدت تفاصيل القصف وبات لديها من الأدلة ما يكفي، ولاسيما أن النظام استخدم الأسلحة الكيميائية ضد السوريين 160 مرة بعد جريمة الغوطة، والمراقبون العسكريون في العالم يرصدون ذلك.

ونفهم أن روسيا تبحث عن مصالحها، ولكن المؤسف أن يضحي بمئات الآلاف من السوريين من أجل مصالح كان يمكن التفاهم حولها مع أية قيادة قادمة ضمن علاقات متوازنة تضمن المصالح المتبادلة ضمن أعراف الدول.

وقد حرصت دول عربية وغربية صديقة أن تقنع روسيا بالتخلي عن موقفها، وبتنفيذ ما قررته هي وسمته مرحلة بناء الثقة في القرار الدولي، ولكنها تريد من المعارضة أن تسلم رقابها للأسد، وأن تقبل به رئيساً بعد أن ارتكب من الجرائم ما ليس له مثيل في التاريخ.

وقد بدا الضعف المريع في خطاب المندوب الروسي في جلسة مجلس الأمن 12/4/2017، ولاسيما حين حصر مشكلة السوريين بوجود ألغام زرعها «داعش» في تدمر التي سلمها النظام لأنصاره من «الدواعش»، ولم يرَ المندوب الروسي مشكلتهم مع الطيران الذي لم يتوقف عن قصف السوريين بالكيماوي وبالنابالم والفوسفوري والكلور وغاز السارين، ولم يرَ عشرة ملايين ونيفاً من اللاجئين والنازحين، ومئات الآلاف من المعتقلين من بيوتهم ومن المحاصرين.

ولم يفهم الروس سر ترحيب الأغلبية العظمى من الشعب السوري بالضربة الأميركية على مطار الشعيرات الذي انطلقت منه الطائرات التي قتلت أطفال خان شيخون بالكيماوي، وهذه مفارقة تاريخية لا سابقة لها، فلم يحدث عبر تاريخ سوريا الممتد في أعماق التاريخ أن رحبت أغلبية السوريين بمن يستهدف أرضهم وسيادتهم عليها، وهذا ما ينبغي أن يفهمه العالم كله دليلاً على وحشية الظلم الذي يعاني منه السوريون إلى درجة أنهم ينتظرون عوناً من أية جهة كانت، فلم يعد لهم في الأرض من يحميهم من جبروت النظام وحلفائه، وحين قام الرئيس الأميركي ترامب بهذه الضربة الإنذارية تفاءل السوريون بأن يجد المجرمون عقاباً من المجتمع الدولي الذي طال صمته، حتى بات هذا الصمت على موت أطفالهم وتهديم بلادهم وصمة عار على جبين الإنسانية.

ويبدو السؤال الأهم الآن، ماذا بعد فشل مجلس الأمن في إقناع روسيا بالتوقف عن دعم إجرام النظام؟ هل يصل الطموح الإمبراطوري الروسي والإيراني إلى درجة إشعال حرب عالمية، من أجل أن يبقى رجل على كرسي السلطة رغماً عن الشعب الذي ضحى بمليون إنسان كي يتخلص من استبداده؟

وهل يمكن لترامب الذي وعد شعبه بأن تستعيد الولايات المتحدة مكانتها في العالم أن يرضخ للفيتو الروسي، وأن يعلن العجز والضعف الأوبامي أمام بوتين؟

لا يغيب عن بوتين أنه اليوم أمام رئيس أميركي صارم، ولن يتجاهل الموقف الدولي الذي اصطف مع ترامب بعد أن ضاق العالم ذرعاً بسياسة أوباما التي صمتت على الجرائم ضد الإنسانية، وهي تتحمل مسؤولية أممية عن دماء السوريين.

يجب أن تقتنع روسيا أن التحدي سيكون سبباً في مقتل ملايين من الضحايا، ولن ينتصر الظلم وإن طال أمد بقائه، فلابد مما ليس منه بد.