سلمان الدوسري

 عندما يتجه الناخبون الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع، الشهر المقبل، في انتخاباتهم الرئاسية الثانية عشرة، ستتكرر القصة ذاتها التي تتكرر كل أربع سنوات، منذ وصول الخميني للحكم في إيران قبل 38 عاماً، ستبدو هذه الانتخابات كأنها صراع بين أجنحة؛ بين «إصلاحيين» أو «معتدلين» من جهة، و«متشددين» أو «محافظين» من جهة أخرى، والعالم يمنِّي نفسه في كل مرة بأن يفعلها التيار الإصلاحي بدلاً من ترك الكرة في ملعب «المتشددين».


يأتي رئيس ويرحل رئيس، مرة من هذا التيار ومرة من ذاك، بينما يبرع النظام الإيراني في تصوير المشهد وكأن هناك صراعات فعلية بين تيارات تتجاذب الساحة السياسية، وهكذا تمضي الانتخابات، فإن فاز رئيس محسوب على «المتشددين» تكون النتيجة أن العالم هو مَن أسهم بخصومته لإيران في وصول هذا الرئيس، أما إذا وصل رئيس محسوب على «الإصلاحيين» تبدأ نغمة أن هذا الرئيس هو الخيار الأفضل للانفتاح معه بدلاً من ترك «المتشددين» يُحكِمون سيطرتهم على المشهد السياسي، وهكذا تدور العجلة، بينما الحقيقة تقول إنه لا يوجد سوى تيار واحد يتسيد الساحة السياسية في إيران، والباقي مجرد تفاصيل.
وبعيداً عن كل المصطلحات المستخدَمة من تيارات متجاذبة وصراعات سياسية تخدع المراقب وكأن هناك بالفعل أجنحة تتنافس في إيران، فإن مجرد النظر لسبعة رؤساء إيرانيين بلغوا سدة الحكم منذ عام 1979 يعطي صورة فاحصة لحقيقة المشهد الانتخابي؛ فالرئيس الأول المستقل أبو الحسن بني الصدر تم خلعه من قبل مجلس الشورى الإيراني بعد نحو عام من الرئاسة، والرئيس الثاني محمد علي رجائي اغتيل بعد أقل من شهر على توليه منصبه هو ورئيس وزرائه، في حين كل الرؤساء الخمسة الآخرين لم تختلف سياستهم التي يحركها المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، إلا في هامش ضيق لا يكاد يُذكَر، وفي الشكل وليس المضمون، فلم يختلف الرئيس «المتشدد» علي خامنئي (من أكتوبر/ تشرين الأول 1981 إلى أغسطس/ آب 1989)، عن الرئيس «الإصلاحي» علي أكبر هاشمي رفسنجاني (من أغسطس 1989 إلى أغسطس 1997)، وكذلك لم يبتعد خط الرئيس «الإصلاحي» محمد خاتمي (من أغسطس 1997 إلى أغسطس 2005) عن الرئيس «المتشدد» محمود أحمدي نجاد (من أغسطس 2005 إلى أغسطس 2013)، وها هو الرئيس الحالي حسن روحاني المحسوب على التيار «الإصلاحي» يفنِّد مسرحية صراع الأجنحة، فقد وصل بعد نجاد وانتظره العالم وكأنه يملك مصباحاً سحرياً لإعادة اندماج بلاده مع المجتمع الدولي، لكن ماذا كانت محصلة رئاسة روحاني «الإصلاحي»؟
كانت النتيجة إمعاناً في تدخل الميليشيات الطائفية في سوريا، وتغطية استخدام نظام بشار الأسد للأسلحة الكيماوية، وتأسيس ميليشيا الحشد الشعبي في العراق، وإطلاق المزيد من الصواريخ الباليستية، وإرسال الأسلحة للحوثيين في اليمن، وتدريب وتوفير الدعم للمتطرفين في البحرين، وارتباط خلايا إرهابية في الكويت بمؤسسات بلاده، وهذا غيض من فيض، ثم بعد هذا كله يقال إنه رئيس إصلاحي. الحقيقة أن الرئيس «المتشدد» محمود نجاد لم يفعل نصف ما فعله مَن يُوصَف بأنه «معتدل» و«إصلاحي».
ثمانية وثلاثون عاماً والنظام الإيراني يروج للعبة صراع التيارات كلما جاء وقت الانتخابات، سواء رئاسية أو برلمانية، غير أن الوقائع تشير إلى أن الصراع في إيران ليس بين «المتشددين» و«الإصلاحيين»، فلم تكن هناك طريقة للحكم إلا باتباع الاستراتيجية نفسها، مع اختلاف التكتيك، وكانت سياسة المرشد الأعلى هي الغالبة على الرئيس والحكومة والبرلمان، فالمعادلة تقضي بأن تقيد السلطات المتشددة غير المنتخَبَة صلاحيات الرئيس والحكومة المنتخَبَة، حتى عندما خرجت بعض المظاهرات رفضاً لنتائج انتخابات 2009، التي نُظِّمت بدعوة من مير حسين موسوي ومهدي كروبي اللذين خسرا في الانتخابات أمام أحمدي نجاد، تم توقيف آلاف الأشخاص، ويخضع موسوي وكروبي المتهمان بقيادة حركة «تمرد» ضد النظام للإقامة الجبرية منذ فبراير (شباط) 2011، بينما حُكِم حينها على كثير من المسؤولين بالسجن بتهمة «العمل ضد الأمن القومي» و«الدعاية ضد النظام».
مقابل مصطلحات ضخمة جداً تظهر الأمور وكأن «الإصلاحيين» لديهم الرغبة والقدرة على التغيير في السياسات الداخلية والخارجية، فإن المساحة ضئيلة جداً التي يتركها النظام الإيراني ليتحركوا من خلالها دون الوصول للخطوط الحمراء. النظام نفسه منذ وصوله، وحتى هذه اللحظة، يتعامل على أنه يمثل ثورة أكثر منه يدير دولة، وفي كل الثورات فإن «المتشددين» هم الذين يتسيدون المشهد بأكمله، وأكبر كذبة قبولهم أساساً بـ«إصلاحيين» داخل أروقة الثورة..