عبدالله العلويط

ما لم يفعله السلف هو محرم، وما فعلوه وأدى إلى محرم في زمننا فهو محرم، وما منعوه واحتجنا إليه محرم ولا يباح إلا وفق أصول باهتة ليست بقوة سد الذريعة، وهذا هو ما تسبب في التشدد وكثرة التحريم

دأب بعض المشايخ على تحريم كثير من الأشياء بحجة أن السلف لم يفعله أو لم يقل به أحد منهم، أو لم يعرف في الصدر الأول من الإسلام، بل تشكلت عقائد بناء على ذلك، ويقصدون بذلك المحاكاة التامة، أي أن نفس الفعل أو القول بصورته المنظورة غير موجود في عهدهم، وقد تم منع وتحريم كثير من المباحات بهذا الدليل، وكذلك بعض المحرمات الفعلية أيضا مما هي حرام بالفعل، بل وبدّع كثير من الناس بهذا الأصل، فهو المرتكز الرئيسي في التبديع عندهم، ولا يخفى أن استخدامه أو الاستدلال به وفق أصوله المعروفة لا شيء فيه ومحمود، ولكن هذا غير موجود في الاستشهاد به، فلا نجد إلا المنع التام إذا لم تكن صورة الفعل قائمة كما هي في الصدر الأول، في حين نجد أن هذا الأصل الذي حرموا به كثيرا من الأشياء لم يطردوه ــ من الطرد ــ في كل شيء، فهم لم يجعلوه مقياسا لكل محدث، حيث أتوا بأشياء لم يفعلها السلف، ولم يقل بها ولا دليل عليها، بل بعضها في مجال العبادة، وهي كل ما يواجههم به مخالفوهم بنفس الحجة، كالعزل التام بين الرجال والنساء في الحياة وفي المساجد خصوصا، ونشر السواد بينهن في اللباس، والإغلاق القسري للصلاة ومعاقبة من لا يغلق، والاحتفاء المبالغ به في الصلاة كالتصوير التلفزيوني لها، والرقية الشرعية الجماعية، وإلزام الناس بآراء محددة وتمييزهم بناء عليها، وترداد عبارة أرض الحرمين أو اعتقاد أو ظن أنه لابد أن تخص بأحكام محددة، ومفردة الخصوصية إذا كانت في سياق ديني، والولاية على المرأة في كل شيء، فكل هذا لم يعرف في عهد السلف، وبالتالي فكله محرم وفق المقياس الذي يقولون به، ولن نعرض لأحكامها الشرعية، لكن ترك السلف لها مؤشر قوي على بطلانها.
وإذا تحولوا إلى القواعد العامة للاستدلال بها لإثبات ما أحدثوه أو إلى العرف فكل صاحب بدعة يستطيع أن يستدل بأصول أو قواعد عامة لإثبات بدعته، وسيكون أمهر منهم في ذلك، فلا بد إذًا من توحيد القياس، وعدم الكيل بمكيالين، ومعالجة وتوضيح الطرق الصحيحة للاستدلال بهذا الدليل، ولكن من أبرز القواعد التي يستدلون بها متجاوزين أصلهم هذا هو سد الذريعة، حيث يمنعون أشياء كانت سائدة في الصدر الأول نظرا لفساد الزمان، ولكن في المقابل لا يبيحون أشياء كانت ممنوعة نظرا لصلاح الزمان، فانتهينا إلى أن ما لم يفعله السلف هو محرم، وما فعلوه وأدى إلى محرم في زمننا فهو محرم، وما منعوه واحتجنا إليه محرم، ولا يباح إلا وفق أصول باهتة ليست بقوة سد الذريعة، وهذا هو ما تسبب في التشدد وكثرة التحريم، ويزداد الأمر سوءا إذا كان سد الذريعة عبارة عن قراءات مستقبلية أو توقعات أو تخمينات لأنه لم يوضع لذلك، وإنما وسيلة فورية إلى المحرم، وهذا يحتاج إلى مقالة أخرى.