ديفيد بوند 

في عام 2008 كانت آفاق الراديو تبدو قاتمة. مع ركود أعداد المستمعين للإذاعة وتعرض ذلك الوسط للتهديد بسبب الإنترنت، تم تلخيص المزاج العام السائد من قبل فرو هازليت، الرئيسة السابقة لأكبر إذاعة تجارية آنذاك في بريطانيا "جي كاب"، التي قالت حينها "إن المستقبل الرقمي للإذاعة ليس قابلا للحياة من الناحية الاقتصادية".


بعد مرور عشر سنوات تقريبا، ثبت أن هازليت مخطئة بشكل مذهل. الآن نسبة الاستماع للإذاعة تسجل مستويات قياسية لأن التوسع في المنصات الرقمية يستثير طفرة لم يسبق لها مثيل.
وفقا لشركة راجار التي تجمع بيانات عن المستمعين حول صناعة الإذاعة، استمع 48 مليون شخص بالغ لساعات من البث الإذاعي تقارب مليار ساعة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2016 - وهو مستوى مرتفع جديد.
وخلال الفترة نفسها تم إطلاق 170 محطة رقمية محلية وعلى مستوى البلد بأكمله، ما يجعل إجمالي عدد المحطات الرقمية في المملكة المتحدة يصل إلى 339 محطة. 
ويتوقع محللون في الصناعة تحقيق خطوات كبيرة بحلول نهاية العام الحالي، عندما تتابع أغلبية المستمعين الإذاعة الرقمية بدلا من ترددات إف إم القديمة. وبحسب الحكومة البريطانية، ما أن يتم التوصل إلى الهدف، فإنها ستجري مراجعة يمكن أن تؤدي إلى إلغاء إشارة إف إم كليا.
وصفت هذه الفترة بـ "العصر الذهبي الجديد للإذاعة"، من قبل بوب شينان، مدير الإذاعة في هيئة الإذاعة البريطانية.
قال شينان الذي تولى منصبه الجديد في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي في إطار تعديل واسع في هيئة الإذاعة البريطانية "يتعين على الإذاعة أن تكون قابلة للتكيف حقا وتتمتع بالمرونة على مر السنين. إنها جيدة جدا في إعادة التأكيد على قيمها الجوهرية. فهي الخدمة الشخصية النهائية".
في الوقت الذي يتعرض فيه التلفاز التقليدي للتهديد بسبب خدمات البث المباشر، مثل أمازون ونيتفليكس، وتبدو فيه وسائل الإعلام المطبوعة عاجزة عن إيقاف مسيرة القراء والمعلنين نحو "جوجل" و"فيسبوك"، وجدت خدمات الإذاعة التجارية والإذاعة العامة طريقا لها للتعايش مع الإنترنت.
الاستخدام شبه العالمي للهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية، إضافة إلى زيادة أعداد الإذاعات الرقمية في السيارات والمنازل، أتاح المجال لازدهار الإذاعة إلكترونيا عبر الإنترنت.
يقول فورد إينالز، الرئيس التنفيذي لـ Digital Radio UK، الشركة التي تشرف على عملية التحول الرقمي التي تنفذ على الصعيد الوطني "حتى قبل خمس سنوات كان هذا الموقف أمرا لا يمكن تصوره. توقع الناس أن تنهار الإذاعة، إنه أمر غير عادي حين تفكر في تفكك وسائل الإعلام".
على الرغم من أن هيئة الإذاعة البريطانية هي المسيطرة من خلال حصتها التي تبلغ نسبتها 53 في المائة من إجمالي عدد ساعات الاستماع – "راديو 2" وحده يمثل ما نسبته 17 في المائة - شهدت الإذاعة التجارية أيضا نموا مطردا في السنوات الأخيرة.
وحدث كثير من ذلك بسبب دمج الشركات الثلاث الكبرى للإذاعة التجارية: شركة جلوبال التي تمتلك علامات تجارية معروفة مثل "كابيتال" و"إل بي سي"، وشركة باور التي تمتلك "كيس" و"ماجيك"، وشركة وايرليس التي تمتلك "توك سبورت" وتم شراؤها أخيرا من قبل "نيوز كورب" في صفقة بلغت قيمتها 220 مليون جنيه استرليني.
أكبر تلك الشركات الثلاث، شركة جلوبال، لديها ما متوسطه 24 مليون مستمع أسبوعيا، مقارنة بـ 19 مليون مستمع في عام 2012، وزادت إيراداتها بنسبة 4 في المائة في عام 2016، لتصل إلى 276 مليون جنيه.
قال مايك جوردون، كبير الإداريين التجاريين في شركة جلوبال، "إن استراتيجية الشركة المتمثلة في إعادة تصنيف مجموعة متباينة من المحطات المحلية الأصغر حجما كجزء من شبكات وطنية أكبر حجما، مثل هارت وكابيتال، ساعد على زيادة أعداد المستمعين وعائدات الإعلانات". وأضاف "لقد جعلنا المُعَقَّد أمرا بسيطا".
حتى الشعبية المتزايدة لخدمات البث المباشر، مثل سبوتيفاي، التي يعتقد أنها تعمل على إنقاذ أعمال الموسيقى، لم تقضم حصة من مجال الإذاعة. وتمثل الإذاعة التي تبث بشكل حي ومباشر ما نسبته 76 في المائة من جميع وسائل الاستماع الصوتية، مقارنة بموسيقى البث المباشر التي تبلغ نسبتها 7 في المائة.
وبحسب مات ديجان، مؤسس شركة استشارات الإذاعة "فولدر ميديا"، المشكلة بخصوص البث المباشر هي أنه يقدم كثيرا من الخيارات فوق الحد. "الخدمات مثل سبوتيفاي تعمل على نسخ البرامج الإذاعية المخصصة. مع حاجتها إلى عشرة ملايين أغنية لتسهيل الأمور على المستمعين، لهذا السبب يركزون على قوائم التشغيل الموسيقي".
التحدي الكبير الذي تواجهه الإذاعة هو كيفية اجتذاب جماهير المستمعين الأصغر سنا الذين يفضلون منصات وسائل التواصل الاجتماعي مثل "سناب تشات". يستمع أكثر من نصف الأشخاص الذين تراوح أعمارهم ما بين 15 و24 عاما للبث الإذاعي المباشر، مقارنة بـ 88 في المائة ممن تزيد أعمارهم على 55 عاما.
ويتجلى ذلك بكل وضوح من خلال التراجع في محطة "راديو وان" التي خسرت مليون مستمع في العام الماضي. وقال شينان "الشباب لا يتابعون تلك القناة منذ فترة طويلة". وهي مشكلة تتصدى لها هيئة الإذاعة من خلال زيادة وجودها الحي عبر المنصات التي تقدم مقاطع فيديو مثل يوتيوب.
لكن ربما لم يضع كل شيء. وفقا لمذيع محطة "إل بي سي"، نيك فيراري الذي يستضيف برنامج الإفطار الصباحي الذي تقدمه المحطة، أدى الاضطراب السياسي الذي تسببت فيه مسألة "خروج بريطانيا" والانتخابات الرئاسية الأمريكية إلى مشاركة أكبر من قبل المستمعين الشباب الأصغر سنا. "ما يثير للاهتمام حقا هو كيف أن المستمعين والمتصلين أصبحوا من الشباب الأصغر سنا".
"هم يدركون أن مستقبلهم هو موضوع النقاش، ولا يترددون في الاتصال والتعبير عن آرائهم".