مرام مكاوي

اليوم هناك جيل جديد من النساء العربيات، هؤلاء لم يعدن يكتفين بالمطالبة ورفع الصوت بل بتن يتخذن أساليب عملية وجريئة لتحقيق رغباتهن

لعل واحدة من أهم المشكلات التي تواجه المرأة العربية والمسلمة، والتي تعتبر المصدر الرئيسي لبقية المشكلات، هي اعتبارها جزءا من الجماعة (القبيلة، العائلة، الدولة)، وليست فرداً مستقلاً. بالرغم من أن الإسلام يكرر في أكثر من موضع مبدأ أن كل إنسان –بالغ راشد عاقل-مسؤول عن نفسه، ووحده سيتحمل عواقب أفعاله، ولا تزر وازرة وزر أخرى. ولم يفرق في الخطاب بين الذكر والأنثى إلا في مواضع محددة، بينما الخطاب الأعم كان للإنسان. فلماذا تصر هذه الأجيال المتلاحقة على أن تعيش في عصر الجاهلية، حيث تدفن الرضيعة خوفاً من عار قد تجلبه، ولا يقتل الصبي تحسباً لجريمة ربما يرتكبها؟
نشاهد أن الأمور التي تخص الرجال، سواء كانت الواجبات أو السنن، يتناقش حولها الرجال (هل قرأتم مقالاً لكاتبة تتحدث فيه عن حكم إطالة الثوب؟!)، بينما أدق خصوصيات المرأة من لباس وتزيين وطهارة وخلافه يتدخل فيها الرجال دون أي استهجان من المجتمع. وكأن حقه الطبيعي كذكر أن يرسم خط حياة الأنثى، حتى لو كانت هذه الأنثى أمه التي أرضعته، أو أخته التي حممته، أو زوجته وإن كانت أكثر منه علماً ومالاً وحكمة ومكانة. فعندما يخطئ الرجل، يتم الحديث عن خطئه كخطأ فردي، قد ينال عقوبة عليه، وإن اقتنعوا بأنه تاب أو استقام أو نال جزاءه، فهذا المجتمع العربي – الإسلامي، مستعد أن يغفر له زلاته، ويزوجه خيرة بناته. عدد كبير من الشباب الذين انخرطوا في نشاطات إرهابية ثم تابوا وأفرج عنهم بعد برنامج المناصحة قد تزوجوا وأكملوا حياتهم. بل لعل بعضنا يذكر كيف أنه قبل بضع سنوات قام أحد المساجين بتزويج ابنته لزميله المحكوم عليه بالإعدام!
بالمقابل، فإن أي زلة صغيرة للأنثى دون اعتبار لسنها، فقد تكون طفلة أو مراهقة، قد تحرمها من الزواج أو الدراسة أو الحياة الطبيعية، أو حتى الحياة نفسها. ووصلت القسوة والظلم ببعض الأهالي إلى ترك بناتهن في السجون أو دور الرعاية الاجتماعية لسنوات طويلة بعد انتهاء محكوميتهن لإحساسهم بالعار، ولمعرفتهم بأن خطأ الأنثى، ولو كانت ابنة الرابعة عشرة لا يغتفر، وبالتالي لم تعد لها فرصة في الزواج أو غيره. 
بالمقابل هذه العائلة نفسها لو قتل ابنها، الذي تجاوز الثلاثين، متعمداً صديقه لأنه شتم ناديه المفضل، ستلهث باحثة عن تجميع مبلغ دية من ستة أصفار، وستطلق صرخات الإغاثة، وسيصلك عبر الواتساب مقطع فيديو مع خلفية تصويرية حزينة لتظهر الأم المكلومة والشيخ الباكي ليطلبوا منا جميعاً المساعدة في عتق رقبة المجرم، وتغيب دموعهم هذه عندما يتعلق الأمر باضطهاد ابنهم بزواج أو طلاق قسري أو استخدام القسوة المفرطة معها عند أصغر هفوة. 
نحن تعودنا هذه التفرقة الاجتماعية بين الذكر والأنثى في مجتمعاتنا التي تعيش ردة جاهلية عندما يتعلق الأمر بالنساء، حيث يرفض «الغيارى» استشهادنا بخديجة بنت خويلد، وأم عمارة وأسماء بنت أبي بكر الصديق والشفاء بنت عبد الله وعائشة رضوان الله عنهن أجمعين، والمكانة العالية التي تمتعن بها في عصر صدر الإسلام، والأدوار المهمة التي لعبنها في الحياة العامة. فلم يكنّ يوماً مقموعات ولا مهمشات ولا مستضعفات. فهذه الثقافة باتت جزءاً من العادات والتقاليد المقدسة، والتي يصعب تغييرها بين ليلة وضحاها.
لكن ما يجب أن يتغير دون انتظار لاقتناع المجتمع، هي القوانين والتشريعات والتنظيمات الإدارية، التي يجب أن تصاغ لتحفظ حقوق وكرامة الفرد، ولترفع عنه الظلم، بغض النظر عن لونه وجنسه وعرقه ومذهبه وجنسيته. وهو ما تتلكأ الدول العربية والإسلامية في تحقيقه كما ينبغي. ولولا ذلك لما استمرت حتى الآن ممارسات بشعة وظالمة مثل ختان الإناث، وزواج الصغيرات، والإكراه على الزواج عموماً، وجرائم الشرف، والعضل، والحجر، والحرمان من الإرث، أو حرمان المطلقة من رؤية الأطفال أبنائها، أو تحريم الزواج من خارج العائلة أو القبيلة أو البلد، أو المنع من السفر أو الدراسة أو العمل. قد تتفاوت نسبة المظالم التي تعيشها المرأة من بلد عربي أو إسلامي إلى آخر، لكن لا توجد دولة واحدة نجحت بامتياز في هذا المضمار. حتى تركيا التي استطاع أتاتوركها أن يغير حروف اللغة، ويبدل شعيرة الأذان، ويمنع الحجاب، ويطمس كل ما له علاقة بالإسلام، لم يستطع أن يقضي على الممارسات الفظيعة كزواج القاصرات وجرائم الشرف في القرى والأرياف والتي لا تزال مستمرة رغماً عن أتاتورك العلماني وإردوغان الإسلامي. أما باكستان التي سبقت بعض دول أوروبا في تولي امرأة منصب رئيسة الوزراء قبل ثلاثة عقود، فهي أيضاً فشلت حتى اللحظة في إيقاف مهزلة المحاكم العشائرية ضد المرأة في أريافها كذلك. والأردن الشقيق الذي وقع اتفاقية سلام مع العدو الصهيوني نفسه، لم يستطع برلمانه أن يحل مشكلة جرائم الشرف الدامية. وعندنا في المملكة فإنه بالرغم من كل الإصلاحات الاقتصادية الصعبة والمهمة، لم تصل بعد إلى إصلاح شامل لوضع المرأة ورفع هذه الوصاية الذكورية شبه المطلقة عليها من المهد إلى اللحد. إذ تصطف بعض أجهزتها أحياناً إلى جانب الرجال، الذين يمثلون الجماعة دوناً عن الفرد، كما هي الحال في قضايا طلاق النسب.
بعكس ما يشاع من قبل أعداء حقوق المرأة، لم يكن هناك جيل من النساء راضٍ بالظلم، لا الأمهات ولا الجدات ولا جدات الأمهات ولا جدات الجدات. لكن تضافرت عوامل الفقر والجهل والخوف والأعباء الأسرية عليهن ومنعتهن من المطالبة بحقوقهن. اليوم هناك جيل جديد من النساء العربيات، هؤلاء لم يعدن يكتفين بالمطالبة ورفع الصوت بل بتن يتخذن أساليب عملية وجريئة لتحقيق رغباتهن، لا سيما إن كن واقعات تحت ظلم شديد، وليس لديهن ما يخسرنه. فلا تهرب فتاة من بيت منحها الحب والحنان والإحساس بالكرامة حتى لو حصل صدام وقتي واختلاف طارئ، مهما كانت المغريات. وإن وجدت حالات شاذة، فالشاذ لا حكم له.
ما يجب أن يدركه المشرعون هو أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وبالتالي استمرار التعامل مع الفتيات بمنطق الوصاية والتعسف لن يجدي نفعاً، فستخرج من رحم معاناتهن نساء أكثر تمرداً وأصلب عوداً.