خالد أحمد الطراح

 لا يمكن أن يتّفق اثنان، أو شخص واحد مع نفسه، على أن للفساد متعة، لكن في الكويت أصبحت للفساد والاستيلاء على المال العام متعة، خصوصاً حين تغيب كلياً المساءلة السياسية بالدرجة الأولى.


أحد ملفات الفساد العلنية هو «الإضرار والاستيلاء على المال» من قبل المتهم فهد الرجعان (المدير العام السابق للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية)، وهو شكل من قصص «الفنتازيا»، لكنها حقيقة؛ فقبل عام 2008 برز في الأفق سيناريو «الاستيلاء» على أموال «التأمينات»، في حين تم في يناير 2014 «حفل وداعي» للمتهم الرجعان، الذي شغل الإعلام المحلي أثناء عمله، وبعد «ترجله»، خصوصاً حين ادعى أنه «استلم «التأمينات» باستثمارات 600 مليون دينار وتركها في ما بعد بـ22 مليار دينار»!
ففي حين استعرض المتهم الرجعان إنجازاته المزعومة وسط حضور قياديي المؤسسة، لم يعترض أو يصحح أحد بيانات غير دقيقة حسابياً واستثمارياً حتى خرج إلى النور بلاغ 2008 للأخ العزيز الدكتور فهد الراشد، مصحوباً بالأدلة داخل الكويت وخارجها، ضد كل ما ارتكبه المدير العام السابق لــ«التأمينات»، وصدرت في ما بعد أحكام غيابية ضده، في حين تنتظره قضايا جنائية ومدنية أخرى!
تم وداع المتهم بالاستيلاء على الأموال العامة كصاحب إنجاز وطني، واليوم سيعود ـــ إن شاء الله تعالى ـــ بموجب اتفاقية تسليم المجرمين مع بريطانيا، والتي أُقرّت أخيراً في مجلس الأمة بعد سلسلة من الجهود الحثيثة والعمل التاريخي الصامت للنيابة العامة ودعم وزارة الخارجية على هذا الصعيد.
يعود المتهم الرجعان إلى الكويت بعد سنوات من الإقامة السعيدة في أوروبا؛ ليواجه العدالة ومصيره، ويجلس إلى جانب شريكه الثاني في جريمة أموال عامة بموجب حكم التمييز الذي صدر أخيراً.
على الرغم من نجاح خطة قضائية مدروسة، فإنه يظل السؤال المشروع في كيفية بث الأمل في أنفسنا ونفوس أجيال اليوم والمستقبل من الشباب الذين يتحمّسون نحو مستقبل واعد، بينما آفة الفساد تنخر في البلد، ويتمتع سرّاق المال العام على حساب ثروة الشعب؟!
المتعة اليوم ليست في الهروب خارج الكويت فقط، وإنما في تحول بعض الأفراد من محيط المتهمين «المحجوز على أرصدتهم»، وفقاً لبيانات رسمية في ممارسة نشاط اجتماعي بارز في وسائل التواصل الاجتماعي، وهو حساب «إنستغرام» مفتوح و«سناب شات» خاص بأحدهم بالصوت والصورة في اكتشاف أبرز المطاعم والفنادق الفاخرة في أوروبا وفرنسا تحديداً، علاوة على ممارسة نشاط الأزياء Fashionist بالتعاقد مع مجلات متخصّصة، وهو الأمر الذي سبق أن تذمّر منه المتهم الرجعان، «معترضاً» على إجراءات قانونية تحول دون تدشين باب المشاهير والمشي على السجاد الأحمر، وهي واقعة حقيقية رواها قيادي مختص في قضية «اختلاسات التأمينات» أثناء تردده على لندن!
هناك جرائم جنائية ترتكب ويعترف بها الجاني، لكن يبدو أن سمعة حتى المحيط القريب من المتهم في السرقة وصدور أحكام ضده بعقوبات غيابية بالسجن لا تعني لهم شيئاً!
اللافت أن هناك من يستطيع أن يمارس متعة السرقة، وهناك كُتّاب ورجال أعمال أصبحوا مؤلفين جدداً لم يحرّكوا قلماً ولا لساناً بقضية الرجعان، في حين يعزفون على أوتار مكافحة الفساد!
يبدو أن مكافحة الفساد صابها داء الانتقائية في الكويت، حتى أصبحت للفساد متعة، وبات مصدراً للتشدّق!
«ترون القذى في عيون الآخرين، ولا ترون السعف في عيونكم»!