سمير عطا الله

 أمضى جنوبيو السودان نصف قرن يقاتلون من أجل الاستقلال عن الدولة الأم. وما إن استقلوا حتى بدأوا التقاتل على كل شيء، من النفط، حيثما وجد، إلى الرغيف، إذا وجد. ومشهد الآلاف من الجنوبيين الجائعين وهم يطلبون لجوء الشبع في الشمال يستدعي العطف أكثر من الشماتة، لأنه خسة. ولكن لا يمكن إلا التساؤل، أين هي القوى التي حرّضت وساعدت الجنوب على الحرب؟ والذين كانوا يرسلون الأسلحة، لماذا لا يرسلون الأغذية؟

«دولة» جنوب السودان خلقت فاشلة، ولا تزال تمضي في ذلك الطريق المدمر: تنافس على السلطة وسباق في الفساد وعرض مريع لانعدام المسؤولية.
عندما استقلت «دولة» الجنوب عام 2011 كانت نسبة غير الأميين في بلد من 8 ملايين نسمة، 27 في المائة، وكان نصف السكان يعانون من سوء التغذية. فيما يعيش ملايين آخرون لاجئين في دول الجوار. الآن المزيد من الملايين يفرون، وبدل الحرب الأهلية مع الشمال، تدور رحى حرب أهلية بين قبائل الجنوب.
نموذج بالغ السوء لهواة التقسيم وتفكيك الدول. قاتل الجنوبيون «عدواً» واحداً في الشمال، والآن هناك نحو 60 عرقاً يتربص بعضها ببعض. «فالدولة» أعطيت الاستقلال ولم تعط أي شيء آخر معها: لا نظام الإدارة، ولا نظام الحكم، ولا الهدف الواحد، ولا التدريب على المشاركة المدنية. قبعة سلفا كير وحدها، لا تكفي.
نال الجنوبيون استقلالهم بموجب استفتاء، لا غبار عنه سوى أنه كان البديل الأسوأ لحال سيئ. لا يمكن إعفاء الخرطوم، عبر السنين أولاً من مسؤوليتها في ترغيب، أو إغراء الجنوب بالبقاء، وثانياً في تسهيل الانفصال، من خلال الاستفتاء المعروفة نتائجه سلفاً. لكن الذي لم يكن معروفاً مدى الفساد والقسوة والإهمال في الطبقة السياسية.
المحزن في أفريقيا، العربية أو غيرها، أن تجارب الوحدة والانفصال متشابهة أحياناً. لكن التفكك، تحت أي ذريعة، ليس سوى مضاعفة المأساة وأسبابها وأبطالها. وما بدا أنه حروب تحرير، انتهى إلى تجارب انفصالية فاشلة، أو مفزعة الفشل. جنوب السودان ليس المثال الوحيد.. .