راسم المدهون 

لا يخطر ببال كثر من القائمين على برامج الحوار السياسي، وبالذات تلك التي تعد الأشد سخونة أن يتوقفوا ولو قليلاً أمام سؤال ضروري لأي برنامج تلفزيوني: هل لا يزال لبرنامجهم وقعه وجاذبيته الأولى؟

في البال عدد من البرامج التي يشملها السؤال، منها «الاتجاه المعاكس» وهو من حمل أكثر من غيره توابل الصخب والإثارة الى حدود وصلت أكثر من مرّة الى التضارب بالأيدي، ناهيكم بتبادل «المتحاورين» أقذع ما تعرفه لغتنا العربية من ألفاظ السباب وأكثرها ابتذالاً وسوقية.

لا تتعلق المسألة بتركيبة البرنامج والعقلية التي تعده وتدير «حواراته»، ولكن أيضاً بتقنياته الفنية وأساليب تسييره بعد كل هذه السنوات وما راكمته من حلقات. نقول التقنيات الفنية ونعني بالضبط ما يمكن أن يخفف عن المشاهد رتابة ما بات مألوفاً يدعوه للملل والهروب الى قناة فضائية أخرى.

تبدأ المسألة من الكف عن ذلك «الاستفتاء» البليد والديماغوجي والذي يتناسى عمداً أن لكل قناة فضائية جمهورها الذي يصوت لها والذي يحوز بالضرورة على الغالبية، وتصل ثانياً الى طبيعة سؤال التصويت التي تقوم على توجيه سؤال يحصر الحقيقة في إطارين لا ثالث لهما، نعرب بتجربتنا عن أنها – غالباً – لا تتوافر في أي منهما.

في الحوار السياسي على قناة فضائية نعتقد أن الصورة تشكل أكثر من ضرورة، وكل الجدالات الصاخبة وحتى العنيفة كانت تمر على لسان هذا المتحاور أو ذاك معروفة وتقع تحت عنوان الحلقة المعروف مسبقاً، ما يجعل الاستعانة بالصورة والوثيقة التلفزيونية المصورة أكثر من ضرورة، خصوصاً وأننا نرى معد البرنامج ومقدمه فيصل القاسم ينحاز بدلاً عن ذلك لرأيه باعتباره حكماً بين متخاصمين لا يلبث أن ينحاز لأحدهما ضد الآخر.

في التلفزيون يصعب تخيل برامج من دون الصورة، حتى ولو جرى الحديث عن برنامج حواري يقوم على تبادل الآراء وتفنيد الحجة بالحجة.

مع ذلك، فالمسألة باتت وقد فاتها الأوان، إذ أصبح واضحاً أن هذا النوع من البرامج سقط وانتهى منذ زمن طويل لسبب بسيط لكنه جوهري هو أنه يحصر الحقيقة في رأي واحد وحيد يملك الخير كله، فيما يحصر الخطأ في رأي ثان يحمل الشر كله، فيما الحياة ذاتها تحمل ما لا يعد ولا يحصى من الآراء ووجهات النظر التي نعثر في كل واحد منها على ما نوافق عليه وما لا يروق لنا.