مأمون كيوان 

وصول امرأة إلى منصب رئاسة الجمهورية في إيران لن يُحدث تغييرا دراماتيكيا، بل سيكون رمزيا في منزلة لزوم ما لا يلزم

سمح مجلس صيانة الدستور للمرأة بالترشح للانتخابات الرئاسية، وهو الأمر الذي يقود إلى طرح الأسئلة التالية: ماذا لو فازت امرأة بالرئاسة الإيرانية؟ هل تحكم إيران امرأة؟ هل سينتخب الإيرانيون امرأة لمنصب الرئيس احتجاجا على إخفاقات الرؤساء الرجال أم تشبها بالألمان والبرازيليين والإنجليز وغيرهم؟
قد تعكس الأسئلة المذكورة سذاجة مشفوعة بنوايا طيبة أو أحلام يقظة، لذلك لا يمكن الهروب إلى الإجابات المتسرعة والمسبقة، أو ثنائية ذكورة - أنوثة التي لا تشكل قضية ساخنة على سلم متطلبات الناخب الإيراني، بل يعد أمرا محمودا القيام بجولة سريعة على محطات التجربة السياسية لنساء وتمثيلهن في النظام السياسي في إيران.
قبل قرن ونيف من الزمن وضع مجلس الشورى الذي أعقب الثورة الدستورية المرأة ضمن «فئة الحمقى والقصر». ومع الفترة الإصلاحية بدأت المرأة الإيرانية تلعب دورا مهما في تغيير الأجواء السياسية الحاكمة. 
وحاولت الإيرانيات في الانتخابات الثامنة لمجلس الشورى تسليط الضوء على «مكان المرأة الخالي» في العملية السياسية، وأجمعن على أنهن لم يكافأن بما يستحققنه، فضلا عن شعورهن بأن هناك من يعرقل مسيرة المرأة السياسية.
وطرأت زيادة ملحوظة في مشاركة المرأة في النواحي السياسية في إيران، ففي مايو الماضي انتخبت 17 امرأة، شكلن نسبة 6% من مجموع نواب مجلس الشورى، البالغ عددهم 290 نائبا. وبلغ عدد النساء اللواتي دخلن مجلس الشورى منذ عام 1979 فقط 49 امرأة.
ولا تتجاوز نسبة وجود الإيرانيات في المناصب العليا الـ7,2%، كما أن الساحة الدبلوماسية والمقامات العليا في السلطة القضائية تخلو من النساء. ونظرا لقبول ترشيح النساء في المجالس المحلية والقروية، يلاحظ الازدياد في الإقبال على المواقع القيادية للمرأة في المجتمع الإيراني. وازداد الإقبال على الترشح إلى المواقع المحلية، بنسبة 0.9% هذا العام عن الدورة السابقة في 2013، وسُجّل ترشيح 18 ألف امرأة للانتخابات المحلية والقروية. 
وفي مؤسسة الرئاسة كان الرئيس الأسبق محمد خاتمي قد عين امرأة كمساعدة له في مجال البيئة، وهي معصومة ابتكار، كما عين زهراء رهنافارد زوجة المرشح الرئاسي الإصلاحي مير حسين موسوي مستشارة له، وهي أستاذة جامعية تولت رئاسة جامعة الزهراء الخاصة، وهي أول امرأة تصل إلى هذه المرتبة الأكاديمية في إيران‏.‏‏ بينما عين الرئيس روحاني 4 نساء نائبات له، وامرأة ناطقة باسم وزارة الخارجية هي ميرزا افهام التي عينت لاحقا سفيرة لإيران لدى ماليزيا لتكون أول امرأة إيرانية تشغل منصب سفير.
وفي الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، رفض مجلس صيانة الدستور منذ عام 1979 ترشيحات للمرأة. وكانت أعظم طالقاني، ابنة آية الله طالقاني، أحد أهم رجالات الثورة الإسلامية، أول امرأة ترشح نفسها لانتخابات الرئاسة الإيرانية العاشرة، ورفض ترشحها استنادا إلى المادة 115 من الدستور الإيراني، وهي المادة التي تقف عقبة أمام تولي المرأة منصب الرئاسة. والتي يثور جدل حول تفسيرها لكونها تشترط أن يكون رئيس البلاد «رجلا سياسيا». وبحسب وكالة «فارس» الإيرانية، فإن مصطلح «رجلا سياسيا» لا يعني بالضرورة (جنس الرجال، دون النساء) في مفهوم اللغة الفارسية، ويمكن أن يشمل الإناث، إضافة إلى الذكور. ففي اللغة الفارسية كلمة رجال ليست فقط بمعنى ذكور، إنما تعني كذلك الأفراد الصالحين.
وقد كتبت أعظم طالقاني، تحت عنوان: «إذا كان المقصود هم الذكور فذلك يعني ظلما في حق ما يزيد على 30 مليون امرأة إيرانية، وعندما رشحت نفسي للمرة الأولى كنا تسع نساء، ووصل عددنا اليوم إلى 90 امرأة يرغبن في الترشح، ومن واجب مجلس الصيانة أن يعيد النظر في موقفه قبل أن يصل العدد إلى تسعة ملايين». 
ويحاول الجدل في جانب منه «سبر أغوار» الأبعاد اللغوية لكلمة «رجل»، كما يحاول معرفة ما إذا كانت تعني بالضرورة شرط الذكورة، أم أن عبارة «الرجال المتدينون السياسيون» تعني شخصيات تتصف بالتدين والتجربة السياسية، وهو شرط يتوافر في الكثير من النساء.
وحاليا، تعد مرضية وحيد دستجردي أول امرأة ترشح نفسها لانتخابات الرئاسة الإيرانية، وتعرف بأنها أستاذة جامعية وعضو في البرلمان الإيراني السابق، كما شغلت في سبتمبر من عام 2009 منصب وزيرة الصحة والتعليم الطبي في الولاية الثانية للرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، وتتولى حاليا منصب مستشار رئيس السلطة آية الله صادق لاريجاني.
وتتبنى دستجردي فكرة الفصل بين الجنسين في الجامعات، ووصف الاختلاط والعلاقة بين الجنسين، بعبارة «كإلقاء اللحمة أمام القط».
وسيختار مجلس صيانة الدستور -الذي يتكون من ستة من كبار رجال الدين وستة من رجال القانون- بفرز المرشحين، 6 مرشحين فقط، من أصل 1636 قدموا أوراق ترشحهم، ولن يقبل ترشيحات 137 امرأة، كما فعل في وقت سابق، رغم أنه يقبل ترشيحاتهن لمناصب المجالس المحلية والقروية، التي ستخاض بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية في مايو المقبل.
ويعزو عباس كدخدايي، الناطق الرسمي باسم مجلس أمناء الدستور، رفض المجلس المرشحات، إلى أسباب تتعلق بعدم الصلاحية العامة لهذا المنصب، وليس بسبب كونهن نساء، وأن ثمة خلافا يتركز حاليا على مستوى التعليم والشهادة التي تؤهل المرأة للترشح للرئاسة، وأن شهادة الماجستير هي أقل درجة تعليم تسمح للترشح للانتخابات الرئاسية بحسب الدستور الإيراني.
ولا بد من الإشارة إلى أن عدد مؤسسات الحكم في إيران يبلغ 7 مؤسسات هي: المرشد وهو أعلى سلطة في إيران؛ مجلس القيادة؛ رئاسة الجمهورية؛ الهيئة التشريعية التي تنقسم إلى مؤسستين تشريعيتين هما: مجلس الشورى (البرلمان). مجلس صيانة الدستور؛ القضاء؛ مجلس الخبراء؛ المجلس الأعلى للأمن القومي ومجمع تشخيص مصلحة النظام.
ومنذ إعلان قيام الجمهورية الإسلامية في إيران تعاقب على منصب رئيس الجمهورية كل من: أبي الحسن بني صدر ومحمد علي رجائي وعلي خامنئي وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد وحسن روحاني. 
واستنادا إلى تجربة العقود الماضية للنظام السياسي السائد في إيران، تبدو سلطة رئيس الجمهورية محدودة في عملية صناعة القرارات الحاسمة وذات الصلة بالسياسات الخارجية والداخلية، ولا يمكن للرئيس تغيير معادلات الحكم المعقدة رغم كونه «رجلا سياسيا»، ولذلك فإن وصول امرأة إلى منصب رئاسة الجمهورية في إيران لن يُحدث تغييرا دراماتيكيا، بل سيكون رمزيا في منزلة لزوم ما لا يلزم.