علي سعد الموسى

كنا بضعة عرب، مع آخرين من ألسنة الأرض، في صالون الانتظار بالمطار إما عائدون إلى بلداننا، وإما هاربون منها إلى فجاج لجوء وغربة، كما هو الحال للأسف الشديد لما لا يقل عن نصف درزن من الجنسيات العربية. كنا نتابع القرارات الملكية على شاشة العربية، وكنت شخصياً في حالة من الفرح اليونوري، فلا أجمل من الشعور أن تحتفي وحدك بوطنك بين وجوه أخرى غريبة. لو أنني وجدت علم بلادي في أي من دكاكين هذا المطار لما اشتريته فحسب، بل لبسته.

وقبل أن يغادر هذا العربي إلى بيروت كمدخل إلى التخفي والتسلل إلى بلده قال لي بنبرة تهكم: هؤلاء يشترونكم بالمال، مشيراً بإصبعه إلى شاشة التلفزيون. أجبته فوراً: وهم هناك يشترون صمت ولائك بقنابل الخوف والبراميل المتفجرة وكتائب الإرهاب المستوردة من قم وضاحية بيروت. هنا احتدم النقاش حد المواجهة. لم تكن فرحتي العارمة مساء ما قبل البارحة تكمن فقط في التبعات اللغوية لأول قرار، بل أيضاً، وفيما هو أهم، في الرسالة الكبرى لحالة الاقتصاد السعودي. وكما قلت أيضاً لهذا العربي المسكين المسافر إلى جماهيرية الاستبداد والخوف: لدينا نظام حكم أبوي متصالح مع نفسه ومع شعبه، يقرأ المزاج العام ويعيشه ويخالطه. يسمعه ويستمع إليه. وهنا قذف بسؤاله المجلجل المسحوب من الصورة النمطية الخاطئة: وهل تستطيع أن تقابل سلمان أو أن تناقشون مثل هذه القرارات من قبل أو من بعد؟ جوابي: يؤسفني جداً جداً أن أضع سلمان مع بشار على لساني في جملة واحدة، ولكن سأجيبك: نعم نحن نقابل أبوفهد وهذا حق متاح لكل سعودي في مجلسه المفتوح، وهذا جزء من التقاليد السعودية الراسخة التي لن يفعلها بشار ولا حتى ترمب، وليست مشكلتي أنك لا تتابع قناتنا الرسمية ولا نشرات الأخبار. أنت لا تشاهد زعيمك إلا في الصور المدبلجة. نعم، أيضاً، نحن نحاور ولاة أمرنا في القرارات ونكتب عنها في صحافتنا بانتماء ومسؤولية وصدق. نحن أيضاً نجلس معهم على الطاولة ونفتح نقاش كل الأسئلة الوطنية الساخنة. نحن الحالة العربية الأصلية في العلاقة ما بين الحاكم وبين الشعب، تلك التي تعتمد على الوصال المباشر المفتوح، لأن هذه هي تركيبة المجتمع السعودي. هنا لقطة الختام التي تختصر كل شك الأسئلة وتظهر فيها كل جماليات الصورة: يسألني: كم تحتاج كي تصل لمنزلك من مطار الوصول؟ قلت له: سبع دقائق بالتقريب بعد رحلة مباشرة من الدوحة إلى مدينة صغيرة اسمها أبها، لكنك أخي ستحتاج إلى سبع ساعات بعد الوصول إلى بيروت كي تغامر برحلة من الخوف، كي تصل إلى أحد جيوب مناطق النظام في بلدك. هذا هو الفارق الحقيقي لا في رحلة مسافرين، بل في حياة شعبين.