عبداللطيف الضويحي

أمواج اللاجئين العرب تعيد رسم تشظيات الحلم العربي وشظايا المأساة تلو المأساة، وأفواج النازحين والمشردين العرب ترسم حدود فشل الدولة العربية في الانتقال من ثقافة الخيمة البدوية إلى ثقافة الدولة المدنية، بعد أن تحولت المدن العربية إلى ركام من المباني المدمرة، وبعد أن خلت المدن العربية من كل مقومات الحياة، وأصبحت أطلالاً من الماضي.

لاجئو النكسة العربية يلتقون بلاجئي النكبة العربية، ولاجئو الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين يلتقون بلاجئي الاحتلال الأمريكي للعراق، ولاجئو الربيع العربي يلتقون في عرض البحر المتوسط وعلى الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي، ومن آثر النزوح في الوطن ظل تائها في الصحراء العربية بين الخيمة والمخيم.

40 % من لاجئي العالم هم من العرب، فهل أصبحنا أمة لاجئين وأمة مخيمات؟ هل الحنين للخيمة أم أنهم يستكثرون على العربي أن يعيش في ما يجعلنا لم نألف العيش في المدن، فاللاجئون على الحدود العربية، وآخرون هائمون في الصحراء، ولاجئون تتلقفهم البحار والبحارة، لاجئون تقطعت بهم سبل الحياة من فلسطين إلى الصومال، ومن العراق إلى سورية وليبيا واليمن وغيرها؟

من غير المفهوم ومن غير المنطق أن يتم التعامل مع اللاجئين العرب كقضية لاجئين فقط. لاجئون يتم إيواؤهم وإطعامهم وطبابتهم. إن حجم ظاهرة اللاجئين العرب لا يمكن إلا أن يكشف عن خلل في الدولة العربية وخلل في جامعة الدول العربية، ويتطلب البحث والدراسة لمشكلة اللاجئين وحجم اللجوء والنزوح وعلاقته بالثقافة وبالإدارة والاقتصاد والسياسة والعنصرية.

إن أفضل انتقام يقوم به اللاجئون ممن تسبب بلجوئهم وتشردهم وضياعهم وظروف لجوئهم القاسية، هو الثورة على الذات، من خلال التأقلم مع نقطة الصفر الجديدة.

ليس سهلاً أن تطلب من إنسان أن يعود لنقطة الصفر بعد أن تجاوزها معرفة وخبرة وعمراً وبمراحل. وليس أمرا يسيرا أو منطقيا أن تطلب من إنسان أن يبدأ من الصفر بعد أن تجاوز هذه البداية بمراحل. إن القبول بالعودة لبداية جديدة بعد أن تم تجاوزها بمراحل أمر بالغ الصعوبة، ما لم تتم التهيئة له نفسيا للاجئين ولأسر اللاجئين.

إن أصعب التحديات التي تواجه اللاجئ، ليس التشرد والضياع وعبور الحدود والبحار وقطع المسافات الطويلة، وليس التحدي هو ألم الفراق والفقد وعمق الإحباط والحسرة على ما فات، رغم شدة وجع وألم كل هذه المواجع وهو ما تستنفر عادة قيم الإنسانية ومشاعر النخوة والمروءة وتقديم المساعدة من أي إنسان، فضلا عن المنظمات والدول، إلا أن التحدي الحقيقي للاجئين هو عدم قدرة اللاجئ على تقبل العودة نفسيا إلى نقطة الصفر، وعدم قدرته على استيعاب الوضع الجديد.

مطلوب من مفوضية اللاجئين ومنظمة غوث وتشغيل اللاجئين ومنظمات الهلال والصليب الأحمر والجمعيات المتخصصة والجهات الحكومية المعنية مباشرة باللاجئين، مطلوب الوقوف عند مشكلة اللاجئين ليس بالإيواء وتصحيح الأوضاع القانونية والمساعدات الغذائية والصحية والتعليمية. إنما المطلوب تأسيس جامعة نموذجية للاجئين تتعامل مع اللاجئين ليس طلاب جامعة، وإنما تتعامل معهم عائليا وأسريا ومهنيا من خلال نقطة الصفر التي يتطلب من اللاجئ أن يتعامل معها، والبناء على ما يملكه اللاجئ مهنيا ومعرفة وخبرة إن توفرت. هذه الجامعة مطلوب تصميم مساراتها وأدواتها استنادا لمعطيات التقنية الحديثة من تعليم عن بعد والتدريب على التكيف مع الواقع الجيد، ومطلوب أن تكون قادرة على أن تمنح اللاجئ التموضع الجديد له. مطلوب من هذه الجامعة أن تهيئ اللاجئ اقتصاديا وماليا واجتماعيا ونفسيا وقانونيا وصحيا.

أريد أن أثني على مبادرة أجفند والمقدمة من سمو رئيس أجفند الأمير طلال بن عبدالعزيز والذي قدم من خلالها منحا للاجئين تمنحهم الدبلوم، حيث مخيمات إقامتهم من خلال الجامعة العربية المفتوحة، حيث جاء الإعلان عنها في منتدى أجفند في مقر الأمم المتحدة في جنيف الأسبوع الماضي على هامش تكريم الفائزين بجائزة أجفند للعام الماضي والإعلان عن الفائزين من مشاريع اللاجئين من حكومات ومنظمات وجمعيات وأفراد.