وليد عبد الرحمن

أثارت عمليات تجنيد النساء الواسعة لتنظيم داعش أخيراً كثيراً من تحليلات المختصين الذين حاولوا إيجاد إجابة عن سبب جاذبية التنظيم - وهو الأكثر وحشية في التنظيمات الإرهابية خلال السنوات الماضية - لكثير من الفتيات، سواء في سوريا والعراق وليبيا أو في أوروبا والولايات المتحدة،

حيث قال المختصون والخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «سبب انضمام النساء للدواعش هو التحدي لتغيير الصورة النمطية عن المرأة المسلمة الضعيفة، والقابعة في منزل زوجها لتربية الأطفال والإنجاب، بصورة أخرى لنساء يحملن السلاح وقادرات على تنفيذ أقصى عمليات القتل الوحشية».
كشفت تقارير دولية وإقليمية عن أن النساء أكثر ميلاً وتجاوباً للخطاب التحريضي الذي يبثه تنظيم داعش الإرهابي عبر المنصات الإلكترونية، وأن «داعش» لجأ إلى الاستعانة بالنساء لسد النقص في عدد مقاتليه، وأن ثلث أفراد تنظيم داعش تقريباً الآن من النساء... وأنهن أصبحن يتلقين التدريبات العسكرية للمشاركة في القتال، وأصبحن خياره للمستقبل لاستكمال حلم «الخلافة» المزعوم.
ويرى مراقبون أن عنصر جذب آخر للنساء في تلك التنظيمات، قد يظهر جلياً في مدى الدعم والإعجاب المتحمس الذي يظهر بوضوح عبر شبكات التواصل الاجتماعي من نساء مسلمات أوروبيات يعبرن عن دعمهن لنساء «داعش»... وأن النساء أكثر ميلاً وتجاوباً للخطاب التحريضي الذي يبثه التنظيم عبر المنصات الإلكترونية المختلفة.
وأكد تقرير صدر أخيراً عن معهد «ألكانو» الملكي الإسباني تزايد إقبال السيدات على الانضمام لصفوف «داعش»، وأن ما يقرب من 500 سيدة أوروبية انضممن للتنظيم خلال العامين الماضيين، وأن للمرأة دوراً في صفوف الإرهاب بشكل كبير، وأن دورها في التنظيمات الإرهابية آخذ في التوسع، مما أثار مخاوف بعض الخبراء من اضطلاعها بدور أكثر نشاطاً.
التقرير قال إن 55.6 في المائة من السيدات وهن عينة التقرير في إسبانيا لديهن القابلية للانضمام لصفوف الميليشيات المسلحة مقابل 30.8 في المائة من الرجال، لافتاً إلى أن غالبية النساء المنضمات إلى «داعش» يحملن الجنسية الأوروبية وتمكنّ من اعتناق الإسلام، كما أن غالبية النساء تتراوح أعمارهن بين 19 و23 عاماً، وهناك ما يقرب من 23 امرأة في إسبانيا ينتظرن المحاكمة في المحكمة العليا بتهمة الإرهاب والانضمام إلى «داعش».
وكشف التقرير الإسباني عن أن هناك خلايا إرهابية نسائية أوقفتها السلطات الإسبانية ظهرت في مدينة سبتة وتعتمد بشكل أساسي على تقنية الإنترنت، مؤكداً أن جميع النساء اللاتي شملتهن الدراسة في التقرير تلقين مبادئ الفكر التكفيري التي دفعتهن للانخراط في أنشطة إرهابية بشكل جماعي وبتوجيه من أفراد التنظيمات المتطرفة، وأن 8 من أصل 10 حالات متطرفة خضعت لعمليات التطرف على الأراضي الإسبانية، خصوصاً في مدن سبتة، مضيفاً أن الإنترنت مكن النساء من الوصول لبيئات التطرف أو الشبكات الاجتماعية المتخصصة في استقطاب نساء يسهمن في دعم ونشر مشروع «دولة الخلافة».
من جانبها، فندت الدكتورة إلهام محمد شاهين، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، طرق استقطاب النساء من قبل التنظيم، بقولها: «هناك 3 طرق للانضمام للتنظيم؛ عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت، وعن طريق النساء المنضمات بالفعل للتنظيم، وعن طريق الصور الكاذبة للحياة الآمنة والمستقرة في ظل التنظيم، فضلاً عن طريق الإغراء المادي بالرواتب المرتفعة التي تحصل عليها العاملات بالتنظيم والمتعاونات معه».
وسبق أن فتح التنظيم باب انتساب النساء إلى كتيبتي أطلق عليهما اسمي «الخنساء» و«أم الريحان» عام 2014، مشترطاً أن تكون المنتسبات من النساء العازبات بين عمر 18 و25 عاماً، على أن يتقاضين مبلغ 25 ألف ليرة سورية، أي نحو 50 دولاراً في الشهر (وقت أن كان التنظيم يمتلك موارد مالية يُغري بها المنضمين إليه)، بشرط التفرغ الكامل للعمل مع التنظيم، وقبول أي تكليفات ترد إليهن من «داعش».
وكتيبة الخنساء تُعد الشرطة الأخلاقية النسائية التابعة لـ«داعش»، وتتفاخر نساء الكتيبة التي تقودها سيدة تحمل رتبة لواء في جيش «داعش»، بأنها تتولى مسؤولية رفع الوعي الديني بين النساء ومعاقبة اللاتي لا يلتزمن بـ«الشريعة»، فضلاً عن كتيبة أخرى يطلق عليها اسم «أم الريحان»، مهمتهما توعية النساء وشرح تعاليم الإسلام ومراقبة التزامهن بالقوانين. إلهام قالت إن النساء في تنظيم داعش 3 أقسام؛ قسم مهمته الإنجاب والخدمة المنزلية وهؤلاء غالباً من السبايا والأسيرات ويكون التعامل معهن كالجواري، والقسم الثاني مهمته الخدمة المدنية في التعليم والصحة وغيرها من المجالات التي يحتاجون في
ها لعمل المرأة، وهذه النوعية من المتعلمات المؤمنات بالتنظيم وأهدافه... أما القسم الثالث فهن المجاهدات اللاتي يحملن السلاح، وهؤلاء متطوعات يأتين من عدة دول في العالم، ولا يقتصرن على دولة بعينها، فمنهن من الدول العربية ومن أوروبا الغربية خصوصاً من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وهؤلاء غالباً من أبناء المهاجرين الذين يحملن الجنسيات الأوروبية. كما تعد منطقة آسيا الوسطى من المناطق الرئيسية المُصدرة للنساء المنضمات إلى «داعش».
وعن أسباب انضمام الأوروبيات إلى التنظيم الإرهابي، قال الدكتور خالد الزعفراني الخبير في الحركات الإسلامية: «تتمثل في محاولة التكفير عن الذنوب والحياة الصاخبة التي عاشها بعضهن في السابق في دولهن عن طريق - الجهاد المزعوم -، وهو ما دفع كثيراً منهن لترك حياتهن الهانئة والذهاب إلى المجهول، إضافة إلى حب المغامرة، والمشاركة في قتال (الكفار)، حسب ما تصور لهن دعاية تنظيم داعش المزيفة».
بينما أشار الدكتور محمد ليله، المدرس المساعد بجامعة الأزهر إلى خطورة الاتصالات التي تجري بين النساء اللاتي انضممن لهذه التنظيمات الإرهابية؛ ومنها «داعش»، وبين من لم ينضم منهن بعد، حيث تصور لها ما تراه في مجتمعها الجديد حقيقياً كان أم سراباً، وتخاطب عاطفتها المشتعلة، وتصور لها الأمر كما لو كان بستاناً وجنة أو فخراً ورفعة، وهو ما يسمى بالتجنيد.
ويقول مراقبون إن إقدام التنظيم على تجنيد الفتيات قد يكون لتنفيذ عمليات جديدة، وقد يكون نابعاً من كونهن أسهل في الإقناع من الرجال بسبب ظروفهن الحياتية، أو لربما أقدم على هذه السبيل بعد سلسلة من الرفض من قبل اليافعين من الرجال داخل صفوفه، أو هروبهم من جحيم التنظيم نتيجة خسائره.
المراقبون أضافوا أن «التنظيم الإرهابي يلعب على النزعة الدينية للعازبات والصغيرات، ورغبتهن في الشهادة والفوز بالجنة، بحيث يحولهن إلى أشخاص سطحيين متسرعين متهورين لا يستطعن التمييز بين الصواب والخطأ في أي تكليف يرد إليهن من التنظيم».
ويهدف «داعش» من سعيه لتجنيد الصغيرات تدريبهن على كيفية استخدام السلاح والقيام بعمليات انتحارية مستقبلية، خصوصاً في الغرب، بعد أن يتم تعريفهن بفنون القتال، وذلك ضمن مسعى التنظيم لخلق جيل جديد من الانتحاريات يتخذن من فكره ومنهجه الضال عقيدة ومنهاجاً.
وقدر المراقبون نسبة المراهقات المنضمات لتنظيم داعش بنحو 55 في المائة، وأن حلمهن كان في البداية مجرد الزواج بأحد عناصر التنظيم في أرض الخلافة المزعومة، لكن تحول إلى سعيهن لتنفيذ هجمات انتحارية والمشاركة في القتال.
وعن انضمام الفتيات لـ«داعش»، أكد الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء كمال المغربي أن تنظيم داعش لا يألو جهداً في استخدام كل الوسائل من أجل ضمان مورد لتجنيد مُقاتلين ومُقاتلات جُدد لصفوفه، ومن أبرز العوامل التي يستغلها التنظيم من أجل جذب أعداد جديدة لصفوفه هي ضعف الوازع الديني، الذي يتوفر في المُسلِمات الجُدد اللاتي لم تكتمل لديهن حصيلة وافية من المعرفة الواعية للإسلام، مشيراً إلى أن التنظيم يستهدف في استقطاب المراهقات الأوروبيات حديثي العهد بالإسلام، حيث يعاني معظمهن من مشكلات أسرية وعدم المعرفة الكافية بدينهن.
تقارير أيضًا أرجعت اتجاه «داعش» للنساء عبر التجنيد نتيجة لهزائمه الأخيرة في سوريا والعراق أمام غارات التحالف الدولي، وهروب أعداد كبيرة من أتباعه، بعد أن اكتشفوا حقيقة خداع التنظيم في العيشة الراغدة والرواتب الكبيرة... وأن سبباً آخر لانضمام النساء لصفوف «داعش» في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم الإرهابي، لاعتقادهن بأن انضمامهن سيجعلهن محصنات ضد الاعتداءات والعنف، وأنه سيعطيهن موقع قوة على سائر النساء.
ويشير اللواء كمال المغربي إلى أن اتخاذ الدواعش للنساء دروعاً بشرية في بعض المناطق التي يستولى عليها، يُعد نوعاً من اليأس، ودليلاً على نجاح التحالف الدولي، مضيفاً أن استخدام العزل دروعاً يؤكد أنهم ليسوا بمسلمين كما يدعون، لأن الإسلام حرم تهديد حياة الأبرياء.
في السياق ذاته، قال المغربي إن سبب انضمام النساء للدواعش هو تحدي تلك الصورة النمطية عن المرأة المسلمة الضعيفة والقابعة في منزل زوجها ودورها الإنجاب وتربية الأطفال، بصورة أخرى لنساء يحملن السلاح وقادرات على تنفيذ أقصى عمليات القتل وحشية.
وعن كيفية حماية النساء من الانضمام لـ«داعش»، قال الدكتور محمد ليله: «نحميها بأن نعطيها قدرها ومكانتها، وأن نرفع من شأنها ولا ننظر إلى المرأة نظرة اتهام، وأن نعاملها بكل احترام وإنصاف... ولتكن الخطوة الأولى تصحيح مفاهيمنا عنهن، ثم تعليمهن وتثقيفهن ثقافة تحميهن من الأفكار المتطرفة». وأضاف: «لا بد أن نراعي أن المرأة سريعة الانفعال والتأثر لكل الدعوات البراقة، وهي تنجذب بسهولة إلى سحر الميديا الإعلامية، فما بالنا لو صاحب كل ذلك دعوات (الجهاد المزعوم)، وأن هذه (أي أراضي داعش) هي أراضي الإسلام الآمنة... فالحل يكمن في معرفة أسباب انضمامهن إلى تنظيمات ذات أفكار غالية، وبمعالجة الأسباب يأتي العلاج، وخلاصة كل ذلك هو تعليم، وتربية، وتوفير مجتمع آمن لها حتى لا تشعر بالغربة في بلادها فترحل إلى بلاد تراها آمنة بهذه الأفكار».
في غضون ذلك، تحدثت دراسة مصرية في يونيو (حزيران) عام 2016 عن وجود ما يقرب من 35 ألف امرأة حامل في طريقهن لإنجاب صغار بأراضي «داعش» في سوريا والعراق، وأن «داعش» يهدف إلى تكوين جيل من الأطفال المقاتلين يتم تلقينهم عقيدة الكراهية منذ الصغر من خلال تدريبهم على العنف في سن مبكرة.
ويقول مراقبون إن «داعش» استخدم الأطفال في دعاياتهم القتالية 300 مرة خلال الأشهر القليلة الماضية، وظهر الأطفال حاملين الأسلحة الثقيلة، ونفذ بعضهم عمليات انتحارية. المراقبون أكدوا أن النساء هن البذرة التي تُنجب جيلاً جديداً من الأطفال المحاربين، ليكونوا هم كتائب التنظيم في المستقبل للقيام بعمليات إرهابية وتفجير أنفسهم إذا طُلب منهم ذلك، لذا فالمرأة لها دور كبير جداً داخل التنظيم، وهذا الدور يزداد مع خسائر التنظيم في المستقبل، لذلك فهو يستثمر في نسائه بشكل كبير.. .