عبدالله موسى الطاير

 باشر السفير الطيار بندر بن سلطان عمله في واشنطن عام 1983م وغادرها بعد 22 عاما. سأله زميل ذات مرة عن أميركا، فقال: "شيبتني أميركا". والخدمة في أميركا مسؤولية معقدة، ولكنها مهمة غير مستحيلة على الكفاءات. الأمير بندر عاصر صفقة الأواكس وما صاحبها من لغط، وعايش الحرب العراقية الإيرانية، والجهاد الأفغاني، واحتلال العراق الكويت وإخراجه منها، وأحداث 11 سبتمبر 2001م، واحتلال أميركا أفغانستان والعراق.

اليوم ينطلق طيار آخر إلى عاصمة القرار العالمي هو الأمير خالد بن سلمان، شاب يوحي مظهره بهدوء حازم، وبشاشة تتطلبها السياسة والعمل الدبلوماسي، وهو متحدث جيد باللغة الإنجليزية. هذا الشاب الذي يقتحم العمل الدبلوماسي ليس جديدا على السياسة فهو متخرج في مدرسة الملك سلمان الذي تجتمع بين يديه خيوطها الداخلية والخارجية منذ أكثر من خمسة عقود. يتسلم السفير خالد بن سلمان عمله في ظروف إقليمية غاية في السوء والتعقيد، ويتلقاه حراك أميركي منقسم على ذاته، ومطلوب منه أن يكون قريبا لإدارة الرئيس ترامب وحزبه، دون أن يكسب عداوة الديمقراطيين الذين يستعدون للانتخابات النصفية للكونغرس 2018م، ويعدون بتغيير الأغلبية الجمهورية. قدرة سموه على جمع الأضداد ستحقق مصالح المملكة بعيدة المدى.

المملكة دولة رائدة في المنطقة وهي الأمل الذي تُعقد عليه النوايا الحسنة سواء في داخل العالم العربي أو في عواصم القرار العالمي لإحياء نهضة عربية وأمن إقليمي من منطلقات أكثر واقعية وأقل صخبا؛ فالشعارات والخطابات العنترية عصفت ببلدان كانت آمنة مستقرة. ولذلك فإن سمو السفير لا يجب أن يتوقف عند حدود تسيير العلاقات الثنائية، وإنما -ومن أجل العرب- تتبع جذور الربيع العربي ومعرفة ما إذا كانت ماتزال قابلة للحياة والتعامل بحزم، فقد أهدرت دماء آلاف العرب وضيعت دولا، وقذفت بأخرى إلى أحضان الجماعات الإرهابية.

السفير السعودي سيجد على طاولته قانون جاستا، ولا بد من التعامل معه قبل انتخابات 2018م، بيد أن السؤال المحوري هو: لماذا مرره الكونغرس بأغلبية، متخطيا فيتو الرئيس أوباما آنذاك في سابقة نادرة الحدوث؟

الاعتقاد الكلاسيكي في أورقة صناعة القرار السعودي يقوم على الاهتمام بالعلاقة مع البيت الأبيض وإدارته التنفيذية، ولا يتعامل بجدية مع الكونغرس، على اعتبار أن تخطي الإدارة إلى مؤسسات أميركية أخرى هو تدخل في الشؤون الداخلية الأميركية. هذا الاعتقاد مقبول في الدول العربية، ولكنه غير منطقي في أميركا، فالكونغرس في عهد أوباما دعا بنيامين نتنياهو لإلقاء خطاب أمامه بدون موافقة البيت الأبيض، بل ورغما عن ساكنه. والتواصل مع الكونغرس لن يكون فاعلا بدون التواصل مع الشعب الأميركي بعمومه. ومازلت أعتقد منذ عام 2000م بأننا أهملنا الرأي العام الأميركي طويلا. صورتنا التي شاعت بعد حظر النفط عام 1973م هي أن السعودية "محطة بنزين"، والأخرى التي راجت بعد عام 2001م هي أن السعودية داعمة للإرهاب. وبين السمعتين الرائجتين والحقيقة بون شاسع على الأمير الشاب أن يجد وسيلة لردم فجوته. شركات العلاقات العامة قد تساعد في المهمة ولكنها تملك محتوى فقيرا عن المملكة وفاقد الشيء لا يعطيه.

على مدى ثلاثة عقود سابقة لأحداث 2001م قصرنا جهودنا على نسبة ضئيلة غير مؤثرة في القرار، ولا في الرأي العام الأميركي. برامج الدعوة والتعليم الديني والإغاثة، وضعتنا في تصنيف سلبي لا يتناسب مع حجم العلاقات وقوتها، ومطلوب معالجة جوهرية وهادئة ومستمرة لعقدين قادمين دون تعجل قطف ثمارها. فالعلاقة مع أميركا حيوية للسعودية والمنطقة، والوصول إلى الرأي العام الأميركي يعتبر دعما مهما للنخب الأميركية التي تميل إلى مساندة قضايا المملكة ومصالحها ولكنها تخشى سطوة الرأي السائد المعادي.