نديم قطيش

المملكة العربية السعودية تفتتح عصراً جديداً لنفسها. بلاد متوثبة، تسابق الغد. في السنوية الأولى لـ«رؤية 2030» قطعت السعودية أشواطاً كبيرة، ولا سيما في البعد الاجتماعي لـ«الرؤية»، وهو في رأيي الأهم والأكثر استراتيجية.

البلاد التي يعد الشباب ممن هم دون الثلاثين فيها أكثر من 70 في المائة، تبدو للمرة الأولى منذ عقود في حال انسجام بين مجتمعها وبين منظومة الحكم فيها. أمراء شباب صعدوا بموجب الأوامر الملكية الأخيرة إلى سدة الإدارة، نواب لأمراء المدن والمناطق السعودية كافة في واحدة من أوسع فطن الحكم وتهيئة النخب، في بلد محافظ كالسعودية.

في مقابلهم فنانون شباب حصدوا أرفع الجوائز الأدبية والفنية، ضمن حالة سعودية متكاملة من التحفز والتوثب والرغبة في إثبات الذات والانشداد نحو النجاح.

قبل أيام ذهبت جائزة البوكر العربية لهذا العام، إلى الروائي السعودي الشاب محمد حسن علوان عن روايته «موت صغير» الصادرة عن دار الساقي - بيروت. ليست المرة الأولى بالطبع التي يفرض الأدب السعودي نفسه. قبل علوان ذهبت الجائزة عام 2010 إلى السعودي عبده خال عن روايته «ترمي بشرر»، وتبعته عام 2011 رجاء العالم عن روايتها «طوق الحمام» التي حازتها مناصفة مع السياسي والشاعر والروائي المغربي محمد الأشعري عن روايته «القوس والفراشة».

وفي بلاد يؤخذ عليها غياب صالات السينما، وضع الشباب السعودي بصمته في عالم الشاشة الفضية من خلال فيلم «بركة يقابل بركة» سنة 2016، وهو من إخراج وكتابة السعودي محمود صباغ. اختير الفيلم لتمثيل المملكة السعودية في جوائز أوسكار 2017 عن فئة أفضل فيلم أجنبي؛ وذلك بعد حصوله على جائزة لجنة التحكيم المسكونية في قسم Forum في مهرجان برلين السينمائي الدولي، واختياره للمنافسة ضمن قسم عروض خاصة بالدورة الـ41 من مهرجان تورونتو السينمائي الدولي.

قبل الصباغ حصد فيلم «وجدة» للسعودية هيفاء المنصور، ثلاث جوائز عالمية خلال مهرجان البندقية السينمائي الـ69، إلى جانب كونه أول فيلم سعودي يترشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم باللغة الأجنبية لعام 2013.

وقبل أيام توّج السعودي إياد الحكمي بلقب الموسم السابع لمسابقة «أمير الشعراء» التي تعد أكبر مسابقة تلفزيونية للشعر الفصيح في الدول العربية، منافساً لمواطنه طارق الصميلي.

وفي التصفيات قبل النهائية لجائزة «كتارا» لشاعر الرسول التي تنظمها مؤسسة الحي الثقافي في قطر (كتارا)، تأهل عشرة شعراء نصفهم سعوديون، توزعوا بين الشعر الفصيح والنبطي.

اللافت أن المنتج الثقافي السعودي، ولا سيما الرواية والفيلم، لا يخلو من نقدية عالية للتقاليد المحافظة، ولجوانب تحف بالسياسة والشأن العام. لكن الأهم تبقى اللحظة. لحظة المصالحة بين هذه الحيوية الشبابية واتساقها مع حيوية سياسية شبابية على مستوى منظومة الحكم، خلافاً للصورة النمطية عن المملكة والفجوة العمرية فيها بين الحاكم والمحكوم، وبالتالي الفجوة بين الطموحات والرؤى والرهانات والحاجات.

إنها بلاد جديدة قال باسم شبابها ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع دايفيد إغناتيوس في صحيفة «واشنطن بوست»: «نحن لا نريد أن نُضيّع حياتنا في هذه الدوامة التي كنا فيها طوال 30 سنة الماضية بسبب الثورة الخمينية، والتي سببت التطرف والإرهاب (…) لن نستمر في العيش في حقبة ما بعد عام 1979».

هذه الدوامة بدأت يوم اجتاح المسجد الحرام مكة المكرمة، في نوفمبر (تشرين الثاني) 1979، مدفوعاً بتأسيس أول دولة مذهبية في العالم في إيران. 

وقبل هذا الحدث، كان الراحل الملك فهد بن عبد العزيز، وهو بعد في ولاية العهد، يحلم بأوبرا عايدة في الرياض أو جدة، وكانت نساء السعودية أقرب في مظهرهن للبنى عبد العزيز من مشهد النقاب الغالب اليوم، بحسب ملاحظة صديق سعودي عن ألبوم عائلته.

هذا زمن انتهى. وهذه بلاد تدفن هذه الحقبة التي أشار إليها ولي ولي العهد، وتسابق الوقت لالتقاط ما فاتها. لم يحن ربما أوان أوبرا عايدة التي حلم بها الراحل فهد بن عبد العزيز، لكن المسرح الذي يحمل اسمه في الرياض شهد قبل أيام ولأول مرة في تاريخ المملكة، حفلاً أوبرالياً، قدمته الأوركسترا اليابانية. هو المسرح نفسه الذي شهد قبل نحو شهرين ليلة تاريخية جمعت فنان العرب محمد عبده والنجم راشد الماجد؛ كونها دشنت عودة الحفلات الغنائية إلى العاصمة السعودية بعد فترة انقطاع دامت 28 عاماً.

هي أبواب تفتح للفرح والحب والحياة. هي الرياض، في المكان الذي تستحقه. هو زمن يطوى وآخر يجيء. زمن محمد علوان ومحمود صباغ وهيفاء المنصور وإياد الحكمي وآخرين كثر.

زمن الآن هنا، الذي لا يحتمل التأجيل ولا الانتظار لأن «الوقت ما عندو وقت ينطر حدا» كما غنت فيروز يوماً.
هنيئاً للرياض.