شملان يوسف العيسى

انتهت الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية بفوز المرشح الوسطي إيمانويل ماكرون وزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، حيث نال الأول 23.7 في المائة من الأصوات، بينما حصلت الثانية على 21.7 في المائة، مما يعني تأهلها للجولة الثانية في 7 مايو (أيار) المقبل.

لماذا صعد اليمين الفرنسي في الانتخابات الرئاسية؟ وهل هنالك دور للعمليات الإرهابية التي حصلت في باريس مؤخرًا وقتل فيها جندي وجرح اثنان؟

استغلت قوى اليمين العمليات الإرهابية وترويع المواطنين، لتعطيها قوة لخطابها المتشدد الذي يعتمد على إثارة الأبعاد العاطفية وتأجيج مشاعر الغضب ضد الآخرين... هنالك قلق يسود الدول الغربية بشكل عام وفرنسا بشكل خاص من تزايد المتشددين المسلمين في تلك الدول... فالنائب الأميركي الجمهوري ستيفن كينغ عبر عن مقدار القلق من عدم التوازن الديموغرافي في قوله: «لا يمكن ترميم حضارتنا، فالأطفال الذين يلدهم الآخرون والثقافة والتركيبة السكانية هي مسألة مصيرية».

خيرت فيلدرز، زعيم حزب الحرية اليمني الهولندي، أكد أن الإسلام لا ينتمي إلى أوروبا، رافضا أسلمة أوروبا.

يرى غلاة اليمين المتطرف أن وجود هؤلاء المتشددين المسلمين يعني زيادة فرص الإرهاب في أوروبا، ويستندون إلى كل الحوادث الإرهابية التي شهدتها المدن الأوروبية، وكان آخرها مقتل الشرطي في باريس ومقتل السياح الأجانب أمام البرلمان البريطاني، وغيرها من حوادث نيس وبروكسل وواشنطن... حيث وجهت الاتهامات للمتورطين في الأعمال الإرهابية، مما دفع بالمختصين في شؤون الأمن والإرهاب إلى دراسة هذه الظاهرة الغريبة، خصوصا أن من يقوم بهذه العمليات هم في الواقع شباب عرب أو مسلمون من مواليد أوروبا، أو ممن اتنق الدين حديثا، وهم ينتمون إلى الجيل الثالث أو الثاني من المهاجرين. هنالك تصور لدى الأوروبيين بأن المهاجرين العرب والمسلمين لأوروبا لا يريدون الاندماج والانصهار في المجتمعات الجديدة، بل يفضلون العيش في مناطق معزولة فقيرة (غيتوهات).

الحقيقة أن عددا لا بأس به من العرب والمسلمين مندمجون بالمجتمع الأوروبي... لكن الإشكالية التي تحتاج إلى حل جذري هي وجود أقليات مسلمة ترفض أن تبعث أولادها للتعليم في المدارس الحكومية مثل غيرهم من شرائح المجتمع الأوروبي.

الأوروبيون يعترفون بوجود مشكلات مع الجاليات العربية والمسلمة، حيث توجد تعقيدات في إجراءات الحصول على رخص إنشاء المساجد والمراكز الإسلامية، وأن هنالك تمييزا ضد المسلمين في فرصوأماكن العمل. كثير من الأوروبيين يرددون بأن بعض دور العبادة الإسلامية تحولت إلى أوكار للتطرف الديني، وأن بعض أئمة المساجد ساهموا في نشر الفكر المتطرف.

السؤال هل هناك علاقة بين حصول اليمين الأوروبي وتنامي الإرهاب في أوروبا؟ الحقيقة أن هجرة العرب والمسلمين لأوروبا قديمة جدا، وقد انصهر الجيل الأول من المهاجرين في مجتمعاتهم الغربية الجديدة، وساهموا مساهمة إيجابية في تعمير ونهوض بلدانهم... لكن بدء الأزمات الاقتصادية في أوروبا جعل اليمين المتطرف يروج لقضية البطالة، وأن المهاجرين الجدد ينافسون الأوروبيين في وظائفهم.

هل للعرب دور في تنامي دور اليمين الأوروبي وازدياد وتيرة العنف والإرهاب في أوروبا؟

علينا الاعتراف والإقرار بأن فشل الربيع العربي في أكثر من قطر عربي، أدى إلى هجرة غير شرعية ضخمة إلى أوروبا والعالم، ويكفي أن نذكر بأن هجرة اللاجئين السوريين وصلت إلى عدة ملايين، وقد استقبلت ألمانيا الاتحادية وحدها نحو مليون لاجئ عربي... هذه الهجرة الضخمة إلى الدول الأوروبية أدت إلى تضاعف المشكلات في هذه البلدان من بطالة، وضغط على الخدمات وازدياد وتيرة العنف بين المواطنين الأصليين والمهاجرين، وقد زاد الوضع خطورة حدوث مواجهات وضربات إرهابية منفردة، أو ما يطلق عليهم الذئاب المنفردة، وهي خلايا صغيرة أو بعض الإرهابيين الأفراد الذين يقومون بعمليات إرهابية في العواصم
الأوروبية.

هذه الأحداث تعزز الرؤية السائدة داخل العواصم الأوروبية عن الإرهاب الذي يقوم به المتشددون وخطورته على مصالح الأمن القومي لهذه الدول. الأمر المؤسف أن العرب والأوروبيين لم ينجحوا في بناء تحالف دولي فعال ضد الإرهاب، والسبب التركيز على الجانب الأمني فقط، وإهمال الجوانب الثقافية التي ولدت العنف والإرهاب.