لم تهدأ موجة الغضب في حزب العدالة والتنمية، التي خلفتها التنازلات التي قدمها رئيس الحكومة سعدالدين العثماني وفي مقدمتها إشراك حزب الاتحاد الاشتراكي في الحكومة، حيث وصلت حدة الخلاف حدّ تكذيب قيادات الحزب لبعضها البعض.

وفي أول لقاء تلفزيوني كرئيس للحكومة كشف العثماني عن كواليس المفاوضات التي جرت خلال تشكيل الحكومة. وقال إن قرار دخول حزب الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة تم اتخاذه باسم الحزب ووافقت عليه الأمانة العامة.

ولم ينتظر عبدالعالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة للحزب كثيرا، حيث خرج الأحد ليكذب العثماني، مشددا أن الأمانة العامة لم تتخذ قرارا بإدخال الاتحاد الاشتراكي في الحكومة، بدليل أنها لم تصدر أي بيان حول الموضوع.

ووصف حامي الدين تصريحات رئيس الحكومة بـ”التدليس الذي يؤدي إلى التضليل، حيث حاول اجتزاء وقائع عن سياقاتها واستحضار معطيات وإخفاء أخرى في محاولة مكشوفة لتحويل التنازلات إلى انتصارات”.

وأوضح عضو الأمانة العامة أنه تم فرض الاتحاد الاشتراكي على العثماني وقبل هذا الشرط، مشيرا إلى أن ما نقل إلى الأمانة العامة مفاده أن “الحكومة إما أن تكون في الاتحاد الاشتراكي وإما ألا تكون”.

واعتبر أمين السعيد، الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الرباط في تصريح لـ”العرب”، أن الوضع الذي يعيشه حزب العدالة والتنمية عقب تدبير العثماني لمسألة تشكيل الحكومة وتنازله عن شروط سلفه عبدالإله بن كيران جعل الحزب يعيش حالة من الغليان والتوتر.

وشدد سليمان العمراني، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الأحد على أن “الحزب يعيش حالة من القلق ويمر بمرحلة هي الأصعب في تاريخه، مستدركا أن العدالة والتنمية حزب قائم الذات بمؤسساته ومنهجه ومبادئه”.

 ولا يعد إشراك الاتحاد الاشتراكي في الحكومة السبب الوحيد لحالة الغليان التي يعيشها الحزب، بل أيضا التمثيل الضعيف للحزب داخل الحكومة وعدم استفادته من تسيير القطاعات الوزارية الحيوية والاستراتيجية.

وانتقد عضو البرلمان آمنة ماء العينين تصريحات العثماني، حيث قالت “ليس كل صامت ناضج، وليس كل من يتكلم غير ناضج بدليل اختياركم للعديد من القياديين للكلام في وسائل الإعلام”، مضيفة أن “خلاصتك هدّمت للأسف مقدمتك، التي نوّهت فيها بغنى النقاش وتعدد المقاربات داخل الحزب”.

ورد محمد يتيم، عضو الأمانة العامة للعدالة والتنمية ووزير التشغيل على منتقدي العثماني، مؤكدا أن “كل ما جاء في اللقاء التلفزيوني من معطيات بخصوص مشاورات تشكيل الحكومة صحيح ومن قال غير ذلك إما أنه ليس عضوا في الأمانة العامة وإما أنه لم يحضر النقاش أصلا”.

ومنذ أن خرجت الصراعات بين قيادات العدالة والتنمية إلى العلن، توقع مراقبون إمكانية أن تؤدي إلى انقسام الحزب، بانشقاق بعض قادته المعارضين لسياسة العثماني.

ويرى رئيس الحكومة أن حزبه لن يتأثر بالتصريحات الإعلامية الصادرة عن بعض منتقديه، موضحا أن لا خوف على وحدة الحزب “رغم وجود تململ لدى البعض من طريقة إعفاء بن كيران، لكن ليس لنا أي هاجس من التحدث والانتقاد”، مضيفا أن “هناك أغلبية صامتة وواعية تشتغل على الأرض”.

ولا يعتقد عبداللطيف برحو، عضو المجلس الوطني للعدالة والتنمية، أن هذه الحرب الكلامية تشكل خطرا كبيرا على الحزب، مستدركا أن “التخوين دخيل على الحزب وهو سلوك شاذ ومذموم ومستنكر وإلا سنفقد الثقة في الجميع وهذا أخطر ما يمكن أن يقع”.

وأكد عضو المجلس الوطني لـ”العرب” أنهم يحترمون المؤسسات حتى ولو اختلفوا معها في بعض القرارات أو التقديرات، وأن الأغلبية داخل الحزب تستنكر ما يحصل وترفض أي تخوين أو ضرب لمصداقية المؤسسات.

واستبعد السعيد بدوره إمكانية انقسام حزب العدالة والتنمية، إذ أن جزءا كبيرا من قياديي الحزب يدرك أن قرار الانقسام سيقود إلى انتهاء الجميع سواء المنشقين أو غيرهم.

وأوضح أن جوهر الخلاف غير مبني على اختيارات مرجعية، لذلك يمكن اعتبار الانتقادات التي يوجهها بعض قياديي الحزب حالة صحية.