سمير عطا الله

أوائل السبعينات حل لقب «الأبوات» في بيروت مكان الاسم الأول، عندما سيطرت منظمة التحرير على الوضع السياسي في لبنان، وأصبح أصحاب المرجعيات أبو عمار، وأبو إياد، وأبو حسن. لكن أول «أبو» فلسطيني طغى اسمه في الإعلام ودائرة المراسلين الأجانب كان أبو السعيد أبو الريش، مراسل «تايم» يوم كانت المجلة في ذروة انتشارها العالمي، في الخمسينات والستينات.


كان «أبو السعيد» أشهر المراسلين وأكثرهم نفوذاً، ولم يعد أحد يبحث عن اسمه الأول. ولم أعرف أن اسمه كان محمدا إلى أن وضع ابنه البكر سعيد، كتاباً بعنوان «قصة عائلة فلسطينية» بالإنجليزية، عرفنا منه أن «أبو السعيد» لم يكن فقط مراسلاً «للتايم» بل حاول يوم كان مع جماعة المفتي الحاج أمين الحسيني، اغتيال هيو فوت، الرجل الذي عرفناه فيما بعد باسم اللورد كارادون، واضع القرار الشهير 242.
كان ذلك أيام الانتداب البريطاني في فلسطين، وقبل أن يهاجر أبو السعيد إلى بيروت العام 1951، حيث اتخذ من فندق السان جورج، مثل معظم المراسلين، مقراً له. وأيضا وضع سعيد أبو الريش كتاباً مثيراً عن التقاء المراسلين الحقيقيين والجواسيس، أمثال كيم فيلبي ومايلز كوبلاند، في ذلك الفندق الذي هدمته الحرب ولم يُعد بناؤه حتى الآن (دار رياض الريس للنشر).
ويروي ويلبر كرين إيفلاند في كتابه «حبال من رمال» كيف حاول في الخمسينات إغراء أبو السعيد بالانضمام إلى «سي آي إيه». لكنه أخفق. كما يعرب جون لو كاريه، أحد أشهر مؤلفي الإثارة، عن امتنانه لـ«أبو السعيد»، الذي ساعده في أبحاثه لوضع كتابه «قارعة الطبل الصغيرة». ولا أحد يعرف مدى المساعدات التي قدمها لسائر المراسلين، الذين كانوا يثقون بأحكامه على مصداقية ما يسمعون أو يعرفون من أخبار.
لكن «البطل» في كتاب «قصة عائلة فلسطينية» ليس أبو السعيد، بل والده خليل، الرجل الذي نقل عائلته من كهف إلى قصر صغير، ومن فلاحين إلى ميسورين ومتعلمين. وقد ذهب 66 من أحفاد خليل إلى الخارج طلباً للعلم في أهم الجامعات. وتفرق الجميع في أنحاء العالم، بعيداً عن قرية بيت عنيا، ضاحية القدس. وكرس سعيد أبو الريش السنين الأخيرة من عمره للعناية بأيتام قريته، وخصص جزءاً كبيراً، وربما الأكبر، من مداخيل مؤلفاته للاهتمام بمشاريع فلسطينية.
وبعد بيروت ولندن، كان منفاه الأخير في جنوب فرنسا، حيث أحاطه أصدقاء كثيرون بالمودة فيما تدهورت حالته الصحية. وقد ترك مؤلفات عدة بينها سيرة عبد الناصر وصدام حسين وياسر عرفات. لكن الأكثر عاطفية بين كل هذه السير، كانت سيرة خليل أبو الريش وأبنائه، خصوصاً محمد، الذي غاب من دون أن يعرف أحد اسمه الأول، رائد كنية الأبوات في لبنان..