«فيرست درافت»: مقتل صناعة الخبر ... و الصحافة أمام خياري التجدّد أو الموت

 أحمد مغربي 

الأرجح أنّه ليس جديداً القول أن الخبر لم يعد مهنة لصحافة الورق على رغم أن اسمها كان ذات يوم، «صناعة الأخبار» News Industry. لا لم يعد باستطاعة الخبر النهوض بالصحافة الورقية، مهما حاولت، لكن أصواتاً كثيرة استنتجت أنّه يتوجّب على تلك الصحافة إعادة اختراع نفسها. كيف؟

لعل «فيرست درافت نيوز» First Draft News تقدّم إجابة تأخّرت صحف كثيرة في الوصول إليها.

الخبر خارج الإعلام الإلكتروني

أبعد من ذلك، الأرجح أن تصنع «فيرست درافت» مسار النهاية للعلاقة بين المواقع الشبكيّة الإخباريّة، مع تذكّر أنّ بعضها ينطق بلسان صحف الورق، وبعضها يتفاعل مع شبكات تلفزيونيّة وإذاعية، وثالثها مستقل وشبكي كليّاً! ربما أمر جديد القول بنهاية الخبر على المواقع الشبكيّة، لكن الإعلان عن «فيرست درافت» يدفع إلى التفكير جديّاً بذلك الأفق.

وبقول يشوبه التسرّع، يشكّل النص المرئي- المسموع «لغة» المواقع الشبكيّة الإخباريّة (كأشياء أخرى على الإنترنت)، ويستفيد من خاصيتين هما: الآنية الفوريّة في الزمن، والاتساع والتشعّب وعبور الحدود بين الدول وكذلك بين النصوص بمعنى الاستفادة من المحتوى والنصوص المكتوبة في الخبر الشبكي.

تأتي الخاصيّة الأولى بالاستفادة من السرعة في النقل عبر الكابلات الضوئيّة وكذلك من نشاط الجمهور، على غرار ما أثبتته تجربة الثورة السوريّة في بث الأخبار عبر أشرطة النشطاء والأفراد العاديّين.

وتأتي الخاصية الثانية من الروابط الإلكترونيّة التي تمكّن من ربط متن الخبر (حتى عندما يكون نصاً بصريّاً خالصاً)، بمحتويات أخرى، مع عبور بديهي لحدود الدول.

في الآونة الأخيرة، دخلت مواقع التواصل الاجتماعي على خط نقل الخبر. واتّخذ دخولها أشكالاً مختلفة، بل تبارت مواقع التواصل الاجتماعي (سوشال ميديا) في تبني البعد الإخباري فيها. ويكفي أن يطالع أي شخص صفحته الخاصة على «فايسبوك» أو حسابه على «تويتر»، ليرى كم صارت الأخبار تتهاطل عليها لحظة بلحظة وعلى مدار الساعة.

في تلك المشهديّة من تطوّر الـ «سوشال ميديا» (ومع التشديد على أن الصورة صارت هي الكلمة فعليّاً في التواصل الاجتماعي)، ظهرت «فيرست درافت».

وقبل أيام قلائل، أعلن «فايسبوك» و «تويتر» وقرابة عشرين وسيلة إعلاميّة، من بينها «وكالة فرانس برس»، الانضمام إلى اتحاد يجمع الوسائل الإعلاميّة والمجموعات التكنولوجيّة ويهدف إلى بتحسين نوعية المعلومات المنشورة على الإنترنت، خصوصاً عبر الـ «سوشال ميديا».

تلك كانت لحظة الولادة لـ «فيرست درافت نيوز». وسرعان ما أعلن محرّك البحث «غوغل» (يستخدمه مئات ملايين البشر على مدار الساعة للإبحار عبر الإنترنت والبحث عن المعلومات والبيانات والأخبار وغيرها)، أنه يدعم «فيرست درافت» عبر آليات عملانيّة، مثل إزالة المعلومات المغلوطة، على رغم عدم وضوح الآلية المعتمدة في تقييم الأخبار، لتحديد المغلوط منها!

الجمهور صانعاً للأخبار

بوضوح، ظهرت حساسيّة تلك المهمّة في الكلمات التي تعرّف بها «فيرست درافت» عن نفسها، وهي تشير أيضاً إلى ضخامة أثرها على الـ «سوشال ميديا»، فتقول أنها «دليلك للإبحار عبر إعلام الشاهد العيان، من الاكتشاف إلى التثبّت» Your guide to eyewitness media, from discovery to verification.

وبات نافلاً القول أن مصطلح «إعلام الشاهد العيان» تشير إلى أشياء متمازجة توصف أحياناً بأنها «صحافة المواطن»، لكنها دوماً تعني أشرطة تسجّل على مدار الساعة، وترفع إلى الشبكة لحظة بلحظة، وتشكّل تغطية واسعة لم يشهد لها الإعلام العام («ماس ميديا» Mass Media) شبيهاً من قبل. ولا شيء يتكرّر كمأخذ على ذلك الوسط الذي وُلِد في قلب الإنترنت وتطوّر مع الـ «سوشال ميديا»، أكثر من غياب التثبت والتحقّق والموثوقيّة. وطري في الذاكرة أن المرشح الجمهوري دونالد ترامب خاض صراعات كثيرة مع خدمة «الأخبار» التي أدخلها «فايسبوك» قبل شهور قليلة، وتمحورت تهم ترامب حول مسألة الموثوقيّة والمصداقيّة.

في ذلك السياق، أقرّت مديرة «فيرست درافت» جيني سارجنت بأنّ رصد المعلومات المغلوطة مهمة صعبة، بل أنه «حتى لو كانت وسائل الإعلام لا تنشر سوى مقالات تحقّقت من صحتها، يكون كل منها مصدراً للمعلومات فيقدر أن ينشر ما يتّفق مع توجّهاته».

وأقرت سارجنت بأن تلك المشاكل لن تحل بين ليلة وضحاها، لكنها قابلة للحل، ما يعني أنّ الزمن لن يطول قبل أن تصبح «فيرست درافت» موضع ثقة من عيون جمهور الـ «سوشال ميديا» وعقوله أيضاً. وفي ذلك الصدد، بيّنت سارجنت أن ائتلاف «فيرست درافت» يعتزم إطلاق برامج تدريبية ومنصة تفاعليّة للتحقّق من المعلومات.

ويعني ذلك أن 20 لاعباً إعلاميّاً أساسيّاً في الإعلام العام العالمي، بينهم وكالة أنباء، يعتزمون التشارك في المعارف والاستراتيجيات والدورات التدريبيّة في شأن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لاستقاء المعلومات ونشرها.

ويشمل ذلك الائتلاف «فايسبوك» و «تويتر» و «يوتيوب» و «سي أن أن» و «نيويورك تايمز»، و «وواشنطن بوست»، و «بازفيد نيوز»، وقناة «أي بي سي نيوز» الأستراليّة، وموقع «بروبابليكا»، و «وكالة فرانس برس»، وصحيفة «التلغراف»، وموقع «فرانس أنفو»، وشبكة «الجزيرة» القطريّة، إضافة إلى «منظمة العفو الدوليّة»، و «مركز الصحافة الأوروبيّة»، و «معهد الصحافة الأميركيّة» وغيرها.

لنفكّر مجدّداً في الـ «سوشال ميديا»

ابتكرت شبكة «فيرست درافت نيوز» في العام الماضي بدعم من مختبر «غوغل نيوز لاب» Google News Lab، وتتعاون حاضراً مع «يوتيوب» للتحقّق من أشرطة الفيديو المنشورة على منصتها. واجتازت مرحلة الاختبار، قبل أن تتحوّل موقعاً فاعلاً تم إطلاقه قبل بضعة أيام.

ويصعب عدم تذكر أن العام الجاري كان طافحاً بأخبار عن تحوّل الـ «سوشال ميديا»، منصات للأخبار وتغطياتها، بالنصوص والصوت والصورة. وإضافة إلى مبادرة «فايسبوك» نشر مقالات صحافية بصورة فوريّة، صار البث التلفزيوني عنصراً مضافاً في ذلك الموقع يتفاعل مع بث الأشرطة التي يضعها الجمهور عليه عبر مواقع متنوّعة كـ «يوتيوب» و «إنستاغرام» و «فاست نيوز» وغيرها.

وفي الأسابيع الأخيرة، أعلن «تويتر» جملة مبادرات في ذلك الإطار، تضمّنت خصوصاً البث التلفزيوني المباشر والأشرطة المرئيّة - المسموعة. وفي ذلك السياق النابع من حرصها على التنافسيّة في ظل جمهور شبكي يسهل تبدّل أحواله وولاءته، بثّ «تويتر» مؤتمري الحزبين الجمهوري والديموقراطي بموجب اتفاقات مع محطة «سي بي أس»، كما أعلن اعتزامه بثّ مباريات أميركيّة في كرة القدم العادية التي باتت تنتشر بسرعة في الولايات المتحدة.

وزادت الملامح الإخباريّة على «تويتر» باعتزامه صنع برامج أخبار اقتصاديّة، تبث بصورة مباشرة، في سياق شراكة مع منصة البث المباشر «تشيدار» التي ظهرت في مستهل 2016، بفضل مبادرة مختص في الإعلام الإلكتروني هو جون شتاينبرغ الرئيس السابق لموقع «بازفيد» الإخباري.

وفي السياق عينه، حدّث تطبيق «تويتر» نفسه في شهر أيلول الجاري، فصار يتيح تلقي مواد إخباريّة من قناة «بلومبرغ» التلفزيونيّة، إضافة إلى الاطلاع على محتوياته (بل محتويات مواقع الـ «سوشال ميديا») على شاشات التلفزيون المنزلي.

وتستند تلك الملامح إلى قدرة تطبيق «تويتر» الجديد على التوافق مع أجهزة التحكّم في البث الواصل إلى شاشات التلفزيون المنزلي كـ «آبل تي في» و«آمازون فاير تي في» و «إكس بوكس وان» وغيرها.