زاهي حواس

 يؤكد الدكتور محمد إبراهيم، وزير الآثار المصري السابق، في أطروحته عن فرعون الخروج، واستناداً إلى الكتب السماوية، أن رمسيس الثاني لا يمكن أن يكون هو فرعون الخروج، لأن ما كتب في التوراة لا ينطبق على عصر الرخاء و«البغددة» الذي عاشته مصر في عهده،

بل إنه يضيف الأتي: «من المؤكد موت فرعون الخروج غريقاً، الأمر الذي يدحض رأى عالم المصريات، المتخصص في عصر رمسيس الثاني، كتشن، الذي قال إن الخروج قد حدث في الربع الأول من عصر رمسيس الثاني! وقد سافرت مومياء رمسيس الثاني إلى فرنسا، حيث تم فحصها فحصاً دقيقاً، ولم يسفر ذلك عن كشف أي دليل، ولو بسيط، على أن رمسيس الثاني قد مات غريقاً. وبالتالي، ننفى تهمة فرعون الخروج عن رمسيس الثاني. وأخيراً، لو سلمنا جدلاً أن بني إسرائيل قد خرجوا في عصر رمسيس الثاني، فكيف نفسر ما جاء على اللوحة التي سيأتي ذكرها لاحقاً، المعروفة بلوحة إسرائيل؟ أما أصحاب الرأي الثالث، القائل إن فرعون الخروج هو مرنبتاح، الابن الثالث عشر لرمسيس الثاني وخليفته في الحكم، فذلك يأتي استناداً إلى لوحة إسرائيل المحفوظة في المتحف المصري بالقاهرة، التي ذكر فيها مرنبتاح أنه قضى على بني إسرائيل، وأباد بذرتهم».
إن نص ما جاء على اللوحة يطرح سؤالاً مهماً، وهو: هل النص يقصد منه دولة إسرائيل، أم جماعة بني إسرائيل؟ وبالرجوع إلى النص، نجده يتحدث عن جماعة من الناس، وليس عن دولة أو مدينة، وإلا كان استعمل الكاتب مخصص، أو علامة المدينة، المعروف. وكلمة «أباد بذرتهم» توحي لنا بأنه قضى على نسلهم! ويمكن بذلك أن نربط بين قتل الفرعون للأبناء الذكور من بني إسرائيل والقضاء على البذرة التي توضع بواسطة الذكور.
ولكن أيضاً فترة حكم مرنبتاح لا تتحمل كل هذه الأحداث، منذ مولد موسى (عليه السلام)، وهروبه من مصر، ثم عودته إليها بعد نحو عشر سنوات، حتى خروج بني إسرائيل من مصر، وغرق فرعون. وذلك أننا نعلم أن مرنبتاح حكم لمدة لا تزيد عن تسع عشرة سنة فقط! وعلى هذا، فإنه من الجائز أن يكون مرنبتاح هو الفرعون الذي قتل أبناء بني إسرائيل الذكور، وهو الذي ربى موسى صغيراً.
أما الخروج، فيكون قد وقع في عهد سيتي الثاني، خليفة مرنبتاح، أو حتى فرعون آخر تال له! يؤكد ذلك - والكلام لا يزال للدكتور محمد إبراهيم - ما جاء في العهد القديم من أن موسى لم يرجع إلى مصر إلا بعد وفاة الفرعون الذي قتل موسى في عصره المواطن المصري عندما شاهده يتقاتل مع شخص من بني إسرائيل: «وحدث في تلك الأيام الكثيرة أن ملك مصر مات. وتنهد بنو إسرائيل من العبودية وصرخوا، فصعد صراخهم إلى الله من أجل العبودية». (سفر الخروج)
ربما كان ذلك هو الرأي الأقرب إلى الصواب، إلا أن موضوع خروج بني إسرائيل من مصر سيظل من أحد أسرار الحضارة الفرعونية التي تشغل فكر المتخصصين في مجالات كثيرة، سواء الآثار أو التاريخ أو الدين، وحتى السياسة كذلك.
انتهت دراسة الدكتور محمد إبراهيم، التي يؤيد فيها وجود فرعونين في معضلة الخروج، الأول وهو مرنبتاح الذي قتل أبناء بني إسرائيل، وتربى موسى في قصره، والثاني هو سيتي الثاني الذي في عصره تم الخروج. أما عن رأيي الشخصي في هذه الدراسة، فهو موضوع الأسبوع المقبل، بإذن الله ومشيئته..